الاثنين، 9 فبراير 2015

مشكلة النقد الاعلى

وبرغم أن هذا النقد عموما، سواء النصي أو الأعلى لا يشكل مشكلة بالنسبة للكتاب المقدس بل يساعد الدارس على الوصول للنص الأصلي

لأسفار الكتاب المقدس بكل دقة وفهم المحتوى الداخلي لها، إلا أنه كان في البداية لغير صالح الكتاب المقدس، يقول جوش ماكدويل (Josh McDowell)(10)" ولسوء الحظ فإن مدرسة النقد العالي التي نمت في الأوساط الدراسية الألمانية في القرن قبل الماضي استخدمت بعض المناهج الخاطئة التي استندت على بعض الافتراضات المسبقة المثيرة للجدل. ولقد قوَّض هذا شرعية الكثير من استنتاجاتهم. إذ انقسمت أسفار بأكملها إلى مصادر عديدة، كانت معظم أسفار العهد القديم تؤرخ في بعض الحالات بعد ألف سنة تقريباً من زمن الشهود الحقيقيين للوثائق. وهكذا نجد أن القصة الكتابية للتاريخ العبري القديم حلَّت محلها نظرية معقدة متناقضة مع رواية إسرائيل في كل النقط الرئيسية تقريبا 00 هذه المدرسة التي سيطرت على دراسات العهد القديم منذ البداية معاً بالإضافة إلى المنهج الذي أنتج هذه النتائج المتطرفة، أصبحت تُعرف في بعض الدوائر بأنها " النقد العالي الهدام "(11)
اقــرأ ايضاً :
4 – النقد الأعلى الهدام المتأثر بالفلسفات المادية الجدلية الإلحادية:
 بدأت عملية نقد الكتاب المقدس، وخاصة العهد القديم،كما بينا في الفصل السابق، منذ القرون الأولى للمسيحية. وللأسف فقد تأثر معظم هؤلاء النقاد بالفلسفات المادية الجدلية الإلحادية التي ذكرناها في المدخل لهذا الكتاب.
5 - النقاد والافتراض المسبق المضاد لما هو خارق للطبيعة:
 وهؤلاء النقاد وأمثالهم، من الملحدين وغيرهم، بنوا نظرياتهم النقدية للكتاب المقدس على أساس افتراضات سابقة وهي ؛ بما أن الله غير موجود أو أنه لا يتدخل في نظام الطبيعة والكون والتاريخ فلا معنى لعبارات مثل " كلمة الله "، " قال الله " و " وحي من الله "، ولا وجود للنبوّة لأن الإنسان مهما كان لا يستطيع أن يعرف ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد، ولا معنى لكلمة معجزة لأن للطبيعة قوانينها الثابتة وكل شيء له مسبباته التي يصل إليها الإنسان بالخبرة والتجربة، كما أن الكون مغلق على ذاته ولا تتدخل فيه قوة من خارجه!! " لأننا نعلم أنه لا يوجد إله، وأن " الأمور التي فوق الطبيعية مستحيلة " و " نحن نعيش في نظام مغلق " و " المعجزات غير ممكنة "، وهكذا إلى ما لا نهاية "(13).
 ويلخص لنا جوش مكدويل أفكارهم كما يلي: " ما دمنا نعيش في نظام مغلق أو ما نسميه الكون، لذا لن يكون هناك أي تدخل أو غزو من قوى خارج الكون. وذلك بواسطة إله مفترض. هذا النظام المغلق يعني أن كل حدث له أسبابه داخل النظام، ولتوضيح المسألة أكثر، نقول إن كل حدث يحادث له تفسير طبيعي، لذلك، أي إشارة إلى تدخل إلهي يعتبر باطلاً، ما دمنا نفترض تواجد تفسير طبيعي لكل ظاهرة "(14).
 وقد عرَّف أ. كارلسون - في كتابه " العلم وما فوق الطبيعة " - " ما فوق الطبيعة " بقوله: " هي كل المعلومات، والنظريات، والاعتقادات والتطبيقات التي تدَّعي لنفسها مصادر أكثر وأعمق من الخبرة الموثَّقة والتفكير العميق، أو هي الأحداث التي تتعارض مع الظواهر التي نعرفها من الطبيعة "(15).
 ونتيجة لذلك فعلى ناقد الكتاب المقدس أن ينطلق في نقده على الافتراضات المسبقة التالية:
1 – بما أنه لا وجود لله أو أنه لا يتدخل في سير التاريخ ولا أحداثه فلا يوجد ما يسمى بكلام الله أو وحي الله أو نبوّات، ولا وجود للمعجزات، سواء قيامة الأموات أو غيرها لأنها تتناقض مع قوانين الطبيعة، وبالتالي فالكتاب المقدس ليس أكثر من مجرد كتاب بشري كتبه بشر ليس بوحي ولا بالهام من قوة خارقة للطبيعة، والمعجزات ما هي إلا أساطير أو خرافات، والنبوّات هي تاريخ حدث أولاً ثم كتب بعد حدوثه بسنوات بصيغة وأسلوب الأدب الرؤوي!!
2 – وعلى المؤرخ وهو يحقق التاريخ أن يشكل قناعته بناء على هذه الافتراضات المسبقة، وليس على ما حدث فعلاً في مكان محدد وزمان معلوم في التاريخ!! ويلخص الباحث الألماني فرانك الافتراضات المسبقة التي تؤمن بها تلك الجماعة من المعارضين تلخيصاً دقيقاً بقوله: " إن عرض أي حدث في التاريخ يمكن اعتباره غير حقيقي وغير تاريخي إذا تداخلت فيه عوامل ما فوق الطبيعة، كل شيء يجب أن يظهر بشكل ملائم للطبيعة ويرتبط بحدث تاريخي طبيعي "(16).
 ويذكر أ. كونن وهو يشرح اتجاهه المعارض لما فوق الطبيعة: " ما دمنا ننسب جزءاً من حياة إسرائيل الدينية إلى ما هو فوق الطبيعة أو للنبوّات ولو للحظة واحدة، فإن أي وجهة نظر لتقييم الحدث سوف تكون غير دقيقة، ونجد أنفسنا مضطرين إلى لوي الحقائق بعنف هنا وهناك لكي نطمئن على تدفق الأحداث التاريخية، ولا يوجد سوى التطور الطبيعي الذي نأخذه في الحسبان في كل ظاهرة مجال البحث "(17).
 ويعترف كونن أيضاً بأن " التدخّل المعتاد للقوى الإلهية في حياة الآباء الأوائل هي من وجهة نظري واحدة من العوامل الرئيسية التي تضعف من السمات التاريخية في الرواية "(18).
 ويشرح لانجدون جِلكي من جامعة شيكاغو الرد الكتابي لتجربة الخروج إلى سيناء بقوله: " إن الأفعال التي ظن الإسرائيليون أن الله فعلها والكلمات التي اعتقدوا أنه نطق بها - هم قالوا إن الله فعلاً عملها ونطق بها - لكن بالطبع نحن نعلم أنه لم يفعل كذلك "(19).
 ويسخر جوليوس ويلهوزن في كتابه " تاريخ إسرائيل واليهودية " من ذكر المعجزات التي صاحبتهم أثناء خروجهم من مصر ولجوئهم إلى سيناء وبعدما أعطى الله موسى الشريعة، بقوله: " لكن من يمكن أن يصدق كل هذه الأمور؟"(20).
3 – وعلى الناقد لأسفار الكتاب المقدس أن يبني نقده على أساس هذه الافتراضات المسبقة!! ويخبرنا برنارد رام عن المذهب الطبيعي وتأثيره على نتائج أي دراسة نقدية: " إذا كان الموضوع يختص بما فوق الطبيعة، فإنه من الواضح أن هذا المدخل يجعل من النتائج هي الغرض الرئيسي. وبالاختصار، قبل بداية النقد، يتم الحكم نهائياً على ظواهر ما فوق الطبيعة، وعلى جميعها أن يختفي من الوجود. لذلك فالاستنتاجات النهائية لن تكون نتيجة لدراسة عقلية خالصة لكن استنتاج محكوم عليه بمعتقدات راسخة تعارض كل ما هو فوق الطبيعي، إذن بأي أساس يستطيع به النقاد أن يحكموا بشكل كامل على ظواهر ما فوق الطبيعة المسجلة ولها قيمة تاريخية لاشك فيها؟ "(21).
 ويقول هيرمان ريدربوس: " من غير المقنع بالنسبة للمفكر الحديث إمكانية قيام إنسان من الموت وأن يعود طبيعياً مرة أخرى، لأن المفكر الحديث تعلَّم أن يفهم جيداً نظام الجسد البشري. يمكن للإنسان الحديث أن يفهم عمل الله بأنه الحدث الذي يتدخل ويحوِّل من حقيقة حياته " الضرورية "، بمعنى أنه يؤثر في حقيقة تواجده كروح. لكنه لن يقتنع بما يسمعه عن أعمال الفداء، لأن هذه تتعامل مع الإنسان وهو حقيقة طبيعية في عالم طبيعي وداخل منظومة كونية طبيعية. ومشابه لذلك الحبل بالمسيح، ووجوده السماوي السابق، ونقل الإنسان إلى عالم من النور حيث يلبس جسداً سماوياً، هذه الأمور ليست فقط غير قابلة للتحقق من مصداقيتها، بل أيضاً أمور لا معنى لها، إنها جميعاً لا تقول شيئاً "(22).
 ويقول هيوم في جداله الفلسفي إن المعجزة هي انتهاك لقوانين الطبيعة، ولأن نشأة هذه القوانين كانت بسبب تجارب ثابتة لا تتغير، فإن الدليل ضد المعجزة هو من نفس طبيعة الحقيقة ويشابه أي محاولة تنشأ من التجربة ويمكن تصورها. لن يقِّدر أحد المعجزة إذا حدثت في التيار المعادي للطبيعة. لن تعتبر تلك معجزة أن يموت فجأة شخص كان يتمتع بصحة جيدة، لكن ما يعتبر معجزة هو أن يقوم ميت من بين الأموات، لأن هذا الأمر لم يلاحظ ورود مثله على مدى الأزمان، لذلك يجب أن يكون هناك تجربة شكلية للتحقق من الحدث الإعجازي وإلا فإن هذا الحدث لن يستحق حتى التعريف(23).
 ويقول و جرين معلقاً على تأثر نقاد الكتاب المقدس بافتراضاتهم المسبقة: " لا يمكن أن نتجاهل موضوعياً وعلمياً الميل الواضح ضد ما هو فوق الطبيعة والذي أثر على كل النظريات النقدية 000 كل القادة المعروفين للحركة، وبدون استثناء، ازدروا بحقيقة المعجزات والنبوّات والتدخل الفوري للعناية الإلهية بمفهومها الإنجيلي الصحيح الأصيل. كل نظرياتهم مزخرفة بفروض مسبقة لها صلة بالمذهب الطبيعي، ولا يمكن الفكاك منها إلا بتدميرها إلى قطع متناثرة "(24).
 والشيء العجيب بل والغريب أن بعض النقاد المحافظين والتقليديين من الذين يؤمنون بوجود الله يسايرون هذه الاتجاهات ومن ثم يقول توماس ويتلو " ما دام النقَّاد ذوو المستوى المرتفع يؤمنون بوجود إله، فإنه لا يحق لهم أن يفترضوا عدم تدخله في العلاقات السببية، أو يفترضوا مقدماً أن " المعجزات لا تحدث "، وأن النبوّات ومعرفة الأمور المستقبلية مستحيلة، معترفين بأن هذا يعتبر انتهاكاً للمنطق السليم إذا اتخذوا الموقف المضاد، هذا يعني، أنه من خلال حفظ الله للعالم يظهر الله ذاته، يجب إذن أن تحدث المعجزات وللنبوّات، وعلى الإنسان أن يتخذ موقفاً ثابتاً ليناضل ويثبت أن هذه المحاولة غير عادلة، والتي تبدأ بافتراض عدم تواجد ما يسمى بظواهر ما فوق الطبيعة إلا ما يتوافق مع أعمال الطبيعة المعروفة "(25).
--------------------
(10) جوش ماكدويل، واحد من أكثر العلماء المدافعين عن الكتاب المقدس في الغرب، وله عدة كتب في ذلك، أشهرها " برهان جديد يتطلب قرار - A New Evidence That Demands A Verdict ".
(11) McDowell, p.398.
(13) Josh McDowell, p. 353.
(14) Ibid.p.
(15) Carlson, Science and Supernature,p. 5- 8.& McDowell 351.
(16) Frank, Henry Biblical Archaeology and faith & Josh McDowell.
(17)Mcdowell p. 355.
(18) Ibid.
(19) Ibid.
(20) Ibid.
(21)Ibid. 353.
(22) Ibid, p. 356.
(23) Ibid,p.359.
(24) Ibid, p. 355.
(25) Ibid, p.351. 
كتاب " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريف صــ 29 :  32 " القمص عبد المسيح بسيط
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق