الاثنين، 9 فبراير 2015

نظرية التطور وأثارها الالحادية المدمرة

 نادت الفلسفات المادية القديمة التي أعتنقها فلاسفة اليونان والتي قالت بأزلية الكون والمادة بفكرة التطور قبل الميلاد بقرون، وقال بها قبل

دارون العالم الفرنسي لامارك (1744 - 1829)، الذي كان أو من جعل من التطور مذهباً بارزاً، وقال أن الكائنات الحية قد نقلت السمات التي اكتسبتها أثناء حياتها من جيل إلى جيل، وبهذه الصورة تطورت هذه الكائنات. وعلى سبيل المثال فقد تطورت الزرافات من حيوانات شبيهة بالبقر الوحشي عن طريق إطالة أعناقها شيئا فشيئاً من جيل إلى جيل عندما كانت تحاول الوصول إلى الأغصان الأعلى فالأعلى لأكل أوراقها. ثم ليبل (1832م) الذي قال بالقدم السحيق للأرض والحياة(33).
 ثم جاء سبنسر (ولد 1820م) وقال بعدم تلاشي المادة أو فنائها وبقاء الطاقة، واستمرار الحركة وثبات العلاقة بين القوى (المادة أزلية لا تستحدث ولا تفنى)، وأن التاريخ الكلي لجميع الأشياء هو ظهورها من بدء مجهول غير مدرك، واختفاؤها في مجهول غير مدرك، وقال أن التطور هو " تجمع لأجزاء المادة يلازمه تشتيت أو تبديد للحركة، تنتقل خلاله المادة من حالة التجانس المنقطع غير المحدود إلى حالة التباين المتلاصق المحدود ". كما قال أن الوحدة في الفرد أيضاً ستتحول إلى تمزق وتفسخ، وينتهي ذلك التناسق وهو الحياة إلى تفشي الفساد وهو الموت، وستتحول الأرض إلى مسرح من الفوضى والدمار والفساد وتنتهي إلى السديم والغبار الذي أتت منه. وبذلك تصبح دورة التطور والانحلال دورة تامة، ولكن ستبدأ هذه الدورة من جديد مرة ثانية، وثالثة إلى ما لا نهاية(34).
 وقال عن الدين أنه كان أول الأمر عبادة طائفة من الآلهة والأرواح، المتشابهة قليلاً أو كثيراً في كل أمة. وتطور الدين إلى فكرة إله مركزي قوي قادر على كل شيء، أتبع كل الآلهة له ونسق أعمالها وصلاحيتها. لقد أوحت الأحلام والأشباح على ما يحتمل إلى تصور أول الآلهة 000 لقد كان الله في أول الأمر في اعتقادهم شبحاً دائم الوجود، وأن أقوياء الرجال في هذه الدنيا تنتقل قواهم، وسلطانهم إلى أشباحهم التي تظهر بعد موتهم. وكان لابد من استرضاء هذه الأشباح واستعطافها. وتطورت طقوس الجنائز إلى عبادة، وأخذت جميع مظاهر الاستعطاف التي تقدم للزعيم أو القائد على هذه الأرض تستخدم في الاحتفالات والصلوات والتزلف والتقرب إلى الآلهة. وبدأ تقديم الهدايا إلى الآلهة 00الخ(35).
 ثم نشر تشارلز داروين سنة 1859م كتابه " أصل الأنواع "، وناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء منطلقاً من مقدمة منطقية أساسية هي: " يعتمد تطور الكائنات الحية على الصراع من أجل البقاء. ويفوز القوي في الصراع، في حين يُحكم على الضعيف بالهزيمة والنسيان ". ويقول أنه يوجد صراع قاس من أجل البقاء ونزاع أبدي في الطبيعة يتغلب فيه القوي على الضعيف دائماً، وهذا ما يؤدي إلى حدوث التطور ولذا فقد سمى كتابه " أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي أو الحفاظ على الأجناس المفضلة في الصراع من أجل البقاء "! ويكرر في كتابه عبارات " ؛ " الانتقاء الطبيعي " و " الصراع من أجل البقاء بين الأجناس " و " التزاوج المختار " 000 الخ. وأعتبر أن أصل الحياة ظهر في صورة هلامية تسمى بالجبلة أو البروتوبلازم ونواة وهي ما يسميه علماء الأحياء بالخلية، وكل الأحياء تتكون من خلية واحدة أو خلايا متعددة. وقد تطورت هذه الخلية ومرت بمراحل منها مرحلة القرد، انتهاء بالإنسان(36)!!
 وقال دارون ودعاة التطور إن للبشر والقردة الحديثة أسلافاً مشتركة، وقد تطورت هذه الكائنات بمرور الزمن فصار بعضها قردة اليوم، في حين أصبحت مجموعة أخرى، اتبعت فرعاً آخر من فروع التطور، إنسان اليوم!! أي أن الإنسان العصري قد تطور من أحد أنواع المخلوقات الشبيهة بالقردة! ويقولون أنه أثناء عملية التطور المزعومة هذه، والتي يفترض أنها قد بدأت منذ حوالي أربعة إلى خمسة ملايين سنة، وجدت بعض الأشكال الانتقالية بين الإنسان العصري وأسلافه، ووفقاً لهذا السيناريو الخيالي وضع دعاة التطور قائمة بأربع فئات أساسية هي: (1) القرد الجنوبي، (2) الإنسان القادر على استخدام الأدوات، (3) الإنسان منتصب القامة، (4) الإنسان العاقل. وأطلقوا على ما يزعمون أنه الأسلاف الأولى لكل من الإنسان والقرد اسم القرد الأفريقي الجنوبي(37)!!
 كما زعموا أن الحياة قد بدأت بخلية تكونت بمحض الصدفة! وقالوا أنه منذ أربعة بلايين سنة خضعت أعداد متنوعة من المركبات الكيميائية التي لا حياة فيها إلى تفاعل حدث في جو الأرض البدائي، وفيه حثت الصواعق والضغط هذه المركبات على تكوين أول خلية حية(38)!!
 وتفترض النظرية أن كل مرحلة من مراحل التطور أعقبت التي قبلها بطريقة حتمية، أي العوامل الخارجية هي التي تحدد نوعية هذه المرحلة، أما خط سيرها ذاته بمراحله جميعها فهو خط مضطرب لا يسعى إلى غاية مرسومة أو هدف بعيد لأن الطبيعة التي أوجدته غير عاقلة ولا واعية وتتخبط بشكل عشوائي!!
 وهكذا نسف تفسير داروين الطبيعي الغاية من وجود الله ومعه فكرة الخلق، إذ جعل هذا التفسير الإنسان مماثلاً تماماً للحيوانات، وخلق تياراً فكريا مادياً وتفاقم الصراع بين العلم والدين، وكما يقول برتراند راسل " لقد سدد مذهب داروين إلى علم اللاهوت ضربة قاسية تماماً كما فعل كوبرنيكوس في عالم الفلك، فالداروينية لم تجعل فحسب من الضروري التخلي عن الاعتقاد بثبات الأنواع والتخلي عن فكرة آتيان الله بأعمال الخلق المنفصلة التي يبدو أن سفر التكوين في الكتاب المقدس يؤيدها. بل أنها جعلت من الضروري أن نفترض انقضاء حقب سحيقة منذ بداية الحياة. الأمر الذي صدم مشاعر المؤمنين بالأرثوذكسية الدينية "(39). وقال الأمريكي وليم درابر " إذا افترضنا عدم وجود جنة عدن وأيام ستة تم فيها خلق الكون، فهذا يعني أن العقيدة الدينية كلها كانت مجرد بنية زائفة "(40).
 وطبق داروين هذه النظرية على الدين وقال أن الدين نِشأ أولاً على الإيمان بقوى روحية غير مرئية ثم الإيمان بقوى سحرية ثم أنتقل إلى الوثنية أو تعدد الآلهة حتى وصل إلى غايته في التوحيد!! ورفض ما جاء في العهد القديم مثل برج بابل وظهور قوس قزح بعد الطوفان 00 الخ وباختصار فقد قال أن " كل شيء في الطبيعة هو نتيجة للنواميس الثابتة "(41).
 وكان ظهور هذه النظرية سبباً في ترك الأديان وانتشار الإلحاد وعبادة الطبيعة وإنكار الكتب الدينية والوحي والأنبياء عموماً ونفي وجود الله ووجود آدم وحواء 00 الخ ونتج عن هذه النظرية سيطرة الأفكار المادية على عقول المفكرين ومناداتهم بخضوع الإنسان للمادة وعبادة الطبيعة التي قال عنها داروين " الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق "!!
õ وجعل الكنيسة الكاثوليكية، كما يقول جيمس بيرك في كتابه عندما تغير العالم، تتجه لتبني أفكار التطور الدارينية " وتحركت الكنيسة الكاثوليكية أسرع من أي كنيسة أخرى، وكانت قد سمحت للكاثوليك بمناقشة التطور بعد صدور كتاب بيوس الثاني عشر في عام 1951م بعنوان الجنس الإنساني "(42).
õ وكانت وراء نظرية فرويد (1856 – 1939م) في التحليل النفسي والذي فسر الدين تفسيراُ جنسيا حيث يقول فرويد أنه تناول هذا الموضوع في كتابه " الطوطم والمحرم" سنة 1912، " وبدأت المناقشة ببعض الملحوظات التي ساقها داروين وضمت بها فكرة قال بها أتكنسون (عالم اجتماع) تقول أن الناس عاشت في الأزمنة البدائية في عشائر صغيرة، كل منها يحكمها ذكر قوي " وتلخص فكره في أن الدين هو الشعور بالندم من قتل الأولاد لأبيهم الذي حرمهم من الاستمتاع بأمهم ثم صار عبادة للأب، ثم عبادة الطوطم، ثم عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، وكل الأدوار تنبع وترتكز على عقدة أوديب ". وقوله بحيوانية الإنسان، فالإنسان عنده حيوان جنسي، لا يملك إلا الانصياع لأوامر الغريزة وإلا وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب(43).
õ وكذلك نظرية جان بول سارتر (مواليد 1905) في الوجودية الإلحادية. وهذه الفلسفة تقوم أساسا على نظرة الإنسان كفرد وترى أن " وجوده" هو أهم صفاته، وانه غاية بذاته، ولا أهداف " ما ورائية " لوجوده، بل هو الذي يحدد أهدافه بنفسه. وتؤكد من جهة أخرى أن حرية الإنسان مطلقة ولا حدود لها(44). وأن وجود الإله مستحيل، حيث أن الموجود – في – ذاته – ولأجل – ذاته هو تصور غير ممكن وغير معقول(45). ورفض وجود الله لأنه تصور أن وجود الله يلغي وجوده وقال " إذا كان الله موجوداً فالإنسان عدم ". كما قال أيضا " أن وجود الله يعطل وجودي أنا "، وأيضاً " إذا انفجرت الحرية مرة أخرى في روح الإنسان، لم يبق للآلهة على هذا الإنسان آية سلطة "(46).
õ كما فرضت العنصرية على العلوم الاجتماعية حيث تقول عالمة الأنثروبولوجيا الهندية لاليتا فيدرياتي Lalita Vidyarthi " لقد لاقت نظريته (نظرية داروين) الخاصة بالبقاء للأصلح ترحيباً حاراً من قبل علماء العلوم الاجتماعية في ذلك العصر، الذين اعتقدوا أن البشر قد حققوا مستويات متنوعة من التطور وصلت إلى أوجها في حضارة الرجل الأبيض. وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أصبحت العنصرية حقيقة مقبولة لدى الغالبية العظمى من علماء الغرب "(47).
 ونتيجة لذلك ظهورت الفاشية النازية والشيوعية الماركسية فغرق العالم في بحور من الدم!! فقد تأثر هتلر بأقوال داروين عن " الانتقاء الطبيعي " و " الصراع من أجل البقاء بين الأجناس " و " التزاوج المختار " والتي تتكرر عشرت المرات في كتابه " أصل الأنواع " واستوحى منها أفكار كتابه " كفاحي " الذي ركز على مبدأ البقاء والنصر للأصلح وقال " سوف يصل التاريخ إلى أوجه في إمبراطورية ألفية جديدة تتسم بعظمة لا مثيل لها، وتستند إلى تسلسل جديد للأجناس تقرره الطبيعة ذاتها ". ويصف المؤرخ هيكمان Hickman تأثير الداروينية على هتلر كالآتي: " لقد كان (هتلر) مؤمناً راسخاً بالتطور ومبشراً به. وأيا كانت عقده النفسية الأعمق والأعوص فإن من المؤكد أن (فكرة الصراع كانت مهمة بالنسبة له لأن) 000كتابه كفاحي يبين بوضوح عدداً من الأفكار التطورية، وخاصة تلك التي تؤكد على الصراع، والبقاء للأصلح، وإبادة الضعفاء لإنتاج مجتمع أفضل "(48)،(49).
õ وقرأ كارل ماركس (1818 – 1883م)، ورفيقه إنجلز مؤسسا الشيوعية، كتاب أصل الأنواع بمجرد ظهوره وانبهرا بالأسلوب المادي الجدلي الذي أتبعه، كما تأثرا أيضاً بفكر هيجل. وكتب ماركس في " بيان الحزب الشيوعي (1848م) استكمالا وتوضيحاً للماركسية. إن هذا المؤلف " يضع الخطوط العريضة لتصور جديد للعالم، هو المادية المتماسكة، وهو تصور يضم أيضاً مجال الحياة الاجتماعية والجدل، باعتباره أكثر نظريات التطور شمولاً وعمقاً، ونظرية صراع الطبقات، ونظرية الدور الثوري التاريخي العالمي للبروليتاريا (الطبقة العمالية) – خالقة المجتمع الشيوعي الجديد "(50). وقال كارل ماركس " أن الدين هو تغرب عن الإنسان بالهروب إلى ما يُسمى إله " وأيضاً " إنه أفيون الشعوب 000 من يحدثني عن الله يبغي أن يسلبني مالي وحياتي "(51).
õ واستخدمها أصحاب نظرية الوثائق في الدين، وقالوا أن الدين بدأ في زمن الإنسان البدائي بالإيمان بالأرواح ووصل بالتطور إلى عبادة الإله الواحد!! بل إن ولهاوزن حاول أن يطبق نظرية هيجل في التاريخ، والتي تأثرت بدورها بنظرية داروين، ليبني نظاماً لتطوّر الديانة اليهودية في شبه الجزيرة العربية في عصر ما قبل الإسلام. ويشرح ج. رايت رأي ولهاوزن وغيره من النقاد المتطرفين، في كتابه دراسة الكتاب المقدس اليوم وغداً فيقول: البناء الذي أقامه جراف وولهاوزن لتاريخ إسرائيل الديني أكّد أن صفحات التوراة تعطينا نموذجاً كاملاً للتطور الديني من عبادة الأرواح في زمن الآباء إلى التوحيد، عندما جاءت صورة التوحيد النقية في القرنين 6 و5 ق م. وقد عبد الآباء (إبراهيم وأولاده عام 1800 ق م) الأرواح في الأشجار والأحجار والينابيع والجبال 00 الخ! وكان إله بني إسرائيل في عصر ما قبل الأنبياء (1000 ق م) إله قبيلة، يمتد سلطانه إلى أرض فلسطين فقط! وكان الأنبياء هم مخترعو التوحيد! وهم يعنون بهذا أن العبادة اليهودية بدأت بعبادة الأرواح، ثم تبعتها عبادة آلهة قَبَلية، وأخيراً ارتقَت إلى عبادة الإله الواحد. ثم قالوا إن الإنسان يقدر أن يحدد تاريخ أي قطعة أدبية بأن يدرس درجة تقدم التعليم الديني الذي تورده، وحكموا بأنه يستحيل أن الأفكار الرفيعة عن الله التي تعزوها التوراة لإبراهيم وغيره من الآباء تكون من نتاج أفكار إبراهيم وسائر الآباء، لأن فكرة الوحدانية أسمى من تفكيرهم. ويصف ولهاوزن فكرة أن الله الواحد خلق العالم أنها فكرة لاهوتية تجريدية غير مسموع بها وسط شعب ناشئ. ثم يقولون إنهم لما افترضوا أن بالدين تطوراً وارتقاءً، فلا يناسب أن يُقال عن إبراهيم: وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي (تكوين 22: 18) لأن فكر إبراهيم الديني لم يكن قد تطور إلى مثل هذه الدرجة من الرقي، فلا بد أن هذه العبارة كُتبت بعد ذلك بألف سنة(52)!!
 وبالرغم من كل ما سبق إلا أن نظرية التطور وما جرى عليها من تطور هي أيضاً لم تستطيع أن تقدم دليلاً علمياً مؤكداً على صحتها!! بل ولم يستطع أحد من العلماء الذين ينادون بها أن يبرهنوا على صحتها لأنها بنيت أصلاً على الفلسفة والملاحظات الشخصية وقوة المخيلة وليس على التجربة العلمية، بل على تكنولوجية بدائية جداً!! ولم تكن هناك مجالات علمية مثل علم الوراثة وعلم الكيمياء الحيوية!! كما كان اكتشاف عالم النبات النمساوي غريغور مندل لقوانين الوراثة سنة 1865م والذي ولد على أثرها علم الوراثة في القرن العشرين من أقوى الضربات التي وجهت لها!! ورفضها معظم العلماء في نهاية القرن العشرين وكتبت ضدها مئات الكتب التي تثبت عدم وقوفها أم الدليل العلمي ويرفض تدريسها حاليا في أكثر من 42 ولاية أمريكية وحلت محلها نظرية جديدة هي نظرية " التصميم الذكي - Intelligent Design " التي تقول أن الكون خلقه عقل ذكي جداً (الله). ويقول عنها عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي د. مايكل بيهي أحد الأسماء المشهورة التي تؤيد هذه النظرية:
 " على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية الحديثة أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرت الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم في العمل الممل داخل المختبرات 000 وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية (ودراسة الحياة عند المستوى الجزيئي) في صرخة عالية، واضحة حادة تقول: التصميم المبدع!"(53).
 فنظرية التطور تحمل في ذاتها دليل بطلانها فلم يستطع أحد مطلقاً أن يدعي أو يقول أن المواد غير الحية يمكن أن تجتمع معاً لتكون حياة، فهذا غير علمي ولم تثبته أية تجربه أو ملاحظة على الإطلاق لأن الحياة لا تولد إلا من حياة وتتكون كل خلية حية بالنسخ من خلية أخرى، ولم ينجح أي شخص أبداً في العالم في تكوين خلية حية بالجمع بين المواد غير الحية!! ويقر بذلك أيضاً علماء التطور أنفسهم!! فيقول العالم الروسي ألكساندر أوبارين، أحد أبرز الثقات في نظرية التطور الجزيئي في كتابه " أصل الحياة " الذي نشر سنة 1936م ؛ " لسوء الحظ مازال أصل الخلية سؤلاً يشكل – في الواقع – أكثر نقطة مظلمة في نظرية التطور بأكملها "! كما أجرى دعاة التطور منذ أوبارين عدداً لا يحصى من التجارب لمحاولة إثبات أن الخلية كان يمكن تكوينها بمحض الصدفة فثبت لهم عكس ذلك. يقول الأستاذ كلاوس دوز، رئيس معهد الكيمياء الحيوية بجامعة جوهانز جوتنبرج " لقد أدت أكثر من ثلاثين سنة من إجراء التجارب عن أصل الحياة في مجالات التطور الكيميائي والجزيئي إلى الوصول إلى إدراك أفضل لضخامة مشكلة أصل الحياة على الأرض بدلاً من حلها. وفي الوقت الحالي، فأن المناقشات الدائرة حول نظريات وتجارب أساسية في هذا المجال إما أن تنتهي إلى طريق مسدود أو
إلى اعتراف بالجهل "(54)!!
 وعلى عكس علماء التطور الذين يندبون فشل نظريتهم ووصولهم إلى طريق مسدود واعترافهم بالجهل، تقف الغالبية العظمى من العلماء على أرض الإيمان بالله الذي رأوه في أعماله في الكون الذي خلقه بتصميم ذكي، كما يقول الكتاب " السموات تحدث بمجد الله. والفلك يخبر بعمل يديه " (مز19: 1)، ولمسوه بقلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وأكد لهم المنطق والعقل العلمي وجوده. وقد قامت مجلة Le Nouvel Observateur الفرنسية الأسبوعية بتحقيق لدى العلماء الفرنسيين فأكتشفت أن الغالبية العظمى منهم يؤمنون بالله. ونشرت أيضاً مؤسسة جيوفاني أنييلي الإيطالية نتائج مماثل لدى العلماء الإيطاليين. ويؤكد عالم الفلك الإنجليزي فريد هُويل Hoyle وهو عقل من أكثر العقول ابتكاراً في القرن العشرين أن العالم والإنسان في وسطه لا يمكن أن يكونا ثمرة المصادفة والضرورة. وقال أيضاً " إن اكتشاف كل جزء جديد، سواء كان ال (واو W) أو (الصفر Zero) يظهر هندسات لا تخطر ببال وانسجامات رياضية رائعة الجمال. فقوانين الفيزياء ترعي نظاماً وتماسكاً عظيمين جداً، حتى يكاد أن يكون عدم التفكير في وجود تصميم مستحيلاً ". ويفسر الأستاذ أنطونيو زيكيكي، وهو واحد من أعظم علماء الذّرة اليوم تركيب المادة قائلاً " إن الذي صنع العالم كما يقول أينشتاين، لم يكن بوسعه أن يُحسن اختياراته أكثر من ذلك "(55). أنت تقرأ هذا الموضوع من مدونة ايماننا الاقدس.
 ويقول أرنو بنزياس مكتشف المُحَتَمل لميلاد العالم – الانفجار العظيم – والفائز بجائزة نوبل العام 1978م لعلم فيزياء الفلك، أنه ما من شيء ثابت ونهائي في العلم أبداً. ثم قال – مخاطباً الله ومستخدما قول المزمور الثامن - أن السؤال الذي أسأله لنفسي هو: " من هو الإنسان حتى تذكره " (مزمور 8)(56)!!
2 - أسباب ظهور هذه الحركات والمذاهب الفكرية والفلسفية:
(1) وراثة الفكر الأوربي للفكر الإغريقي الذي يصور عداء الآلهة للإنسان والذي يتجسد في أسطورة برومثيوس (إله الصناعة والعلم) التي تقول أنه قام بسرقة النار من الآلهة وأعطاها للهالكين (البشر) حتى يستعملوها فأثار غضب زيوس، إله السماء والرعد، وعاقبه بربطه إلى صخرة، ثم أطلق عليه عقابا أو نسرا اسمه " إثون "، يأكل كبده في النهار ويقوم زيوس بتجديدها في الليل. في النهاية قام هيراكليس بتحريره، وعاد إلى أوليمبوس(57). ويعتبر الإغريق قيامه بتقديم النار للبشر دليل على كونه من المساهمين في الحضارة الإنسانية. وقد صار لهذه الأسطورة تأثيرها الكبير على الفكر الأوربي وكانت محور الكثير من المسرحيات والتمثيليات والقصص التي تقف مع الإنسان المظلوم ضد الآلهة القاسية المتجبرة.
(2) الأهواء والطمع والكبرياء والغرور والانجراف الشديد للشهوات. فالذين ينقادون لأهوائهم وشهواتهم ينظرون لله ونواميسه كعائق في سبيل إشباعها وتحقيقها، والمتكبرون والمختالون بأنفسهم يتصورون أن الدين والله حجر عثرة أمام ميولهم ورغبتهم في التحرر من أي قيد! يقول الفرنسي لا بروير " أود لو أرى إنساناً عفيفاً، متزناً، معتدلاً ينكر الله، فيكون على الأقل، خالي الغرض والمصلحة، ولكن التاريخ لم يسجل إلى الآن شيئاً من ذلك ". ويقول العالم باسكال " يقول الملحد: لو كان لي إيمان لتركت الملذات، وأنا أقول لك: أهجر الملاذ تجد الإيمان "(58). ويقول فولتير " أن الملحد الماكر، الناكر الجميل، المفتري، قاطع الطريق، وسفاك الدماء يسلك وفق مبادئه إذا كان متأكداً من سهو وعفو البشر. فإذا حذف اسم الله من الوجود، فهذا المسخ يكون إله نفسه، فأنه يضحي لهواه بكل ما يبتغي أو بكل ما ينتصب عائقاً أمامه، والصلوات الأشد رقة، والبراهين الأكثر تماسكاً ليس لها عمل في قلبه، كما ليس لها عمل في قلب جائع إلى سفك الدماء. فمن الثابت أن الإلحاد يدفع بالبشر إلى جميع الجرائم في عواصف الحياة العامة "(59).
(3) الصراعات الدينية بين الطوائف المسيحية، خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت ؛ فقد ثارت صراعات دينية في القرنين السادس عشر والسابع عشر أحدثت انقساماً كبيراً في أوربا بين مختلف الطوائف من كاثوليك وبروتستانت فتأثر الكثيرون بسبب هذه الحروب التي كان يدافع فيها كل واحد منهم عن عقيدته بكل ثقة وقوة معتقدا أنها العقيدة الأصح!! يقول المفكر الإنجليزي فرنسيس بيكون (1561 – 1626م) " أن أسباب الإلحاد هي الانقسامات، إذا كانت كثيرة، لأن أي انقسام أساسي يلهب حماسة الفريقين كليهما وغيرتهم، ولكن الانقسامات الكثيرة تقود إلى الإلحاد "(60).
(4) بداية عصر النهضة العلمية ومقاومة رجال الكنيسة الغربية لها لتأثرها بفلسفة أرسطو على حساب العلم والكتاب المقدس، فعارضت كوبرنيكوس الذي ولد في بولندا سنة 1473م وجالليوا اللذين قالا بثبات الشمس ودوران الأرض والكواكب حولها!! مما جعل البعض يتصور أن الدين يتعارض مع العلم!!
(5) الظلم الاجتماعي الذي كان سائداً في القرون الوسطى فقد كانت معظم الأرضي الزراعية يملكها النبلاء والكنيسة الكاثوليكية في حين أن العاملين في هذه الأرضي لا يستطيعون التصرف إلا في 50% فقط من دخلهم وكانوا يعانون من كل شيء. وهذا جعل البعض يتصور أن الدين يساند الأغنياء ضد الفقراء!!
(6) سلطة الكنيسة الغربية وصراعاتها مع أباطرة ألمانيا وبريطانيا والتي أدت إلى انفصال الكنيسة في بريطانيا عن الكنيسة الكاثوليكية وأسمت نفسها بالإنجليكانية تحت رآسة ملك أو ملكة إنجلترا، وظهور البروتستانتية كحركة إصلاح لما كان يسود الكنيسة الكاثوليكية من أخطاء مثل حرمان الشعب من قراءة الكتاب المقدس وصكوك الغفران 00الخ، مما فتح المجال على مصراعيه لكل فرد أو جماعة تفسر الكتاب المقدس حسب هواها بعيدا عن التسليم الرسولي.
 وقد أدى كل ذلك إلى إنكار البعض للإعلان الإلهي والوحي والكتب الموحى بها ورفض التقليد والتسليم الرسولي المسلم مرة من المسيح لتلاميذه ومن تلاميذه ورسله لخلفائهم 00 الخ .
-----------------
 
(33) هارون يحي خديعة التطور الأنهيار العلمي لنظرية التطور وخلفياتها الأيديولوجية " ص 31، وبرتراند راسل " الدين والعلم " ترجمة رمسيس عوض ص 66 و67، دار الهلال.
(34) فلسفة الحضارة 470 و472.
(35) السابق 482 و483.
(36) أنظر تشارلز داروين " أصل الأنواع " ترجمة إسماعيل مظهر ص 49 و50، وأيضاً " أصل الأنواع " ترحمة مجدي محمود المليجي، و خديعة التطور ص 8 و9.
(37) خديعة التطور ص 75 و76.
(38) السابق ص 104.
(39) برتراند راسل " الدين والعلم " ص 70.
(40) جيمس بيرك " عندما تغير العالم " ترجمة ليلى الجبالي، عالم المعرفة، ص 336.
(41) Norman L. Geisler, Beware of Philosophy, A Warning To Biblical Scholars p, 6.
(42) السابق 337.
(43) أنظر كتاب " النبي موسى وديانة التوحيد لسيجموند فرويد ترجمة د. عبد المنعم الحفني ابتداء من ص 135.
(44)http://www.makhail.com/arabic/Literature_culture/World_culture/index.cfm/5%2C463%2C49.html
(45) الفلسفة المعاصرة في أوربا ص 293.
(46) أنظر كوستي بندل " إلهُ الإلحاد المعاصر ؛ ماركس - سارتر " ص 120 و129.
(47) خديعة التطور ص 9.
(48) خديعة التطور ص 10 و11.
(49) ومن ثم فقد جر هتلر العالم إلى عنف لا مثيل له وبحور من الدم أغرقت العالم ودفع 55 مليون شخص حياتهم ثمناً للحرب العالمية الثانية وعانت الكثير من الأقليات العرقية قسوة رهيبة في معسكرات النازية. وكانت فكرة داروين القائلة بالصراع من أجل البقاء هي المسؤولة عن أكبر مأساة في تاريخ العالم (المرجع السابق).
(50) http://www.marxists.org/arabic/marx/bio/bio.htm.
(51) كوستي بندلي " إله الإلحاد المعاصر. كما أثرت نظرية داروين على ماو تسي تونج الذي أسس الحزب الشيوعي في الصين وقتل ملايين الأشخاص لتحقيق الشيوعية !! وكان مجموع ما قُتل في البلاد الشيوعية حوالي 120 مليون شخص طوال القرن العشرين !! أي أن نظرية دارون تسببت في أكبر كارثة وقعت سطح الأرض بتحطيمها للدين والقيم وسفكها للدماء!!
(52) وليم كامبل " القرآن والكتاب المقدس في نور العلم والتاريخ جـ 3 ف 1.
(53) خديعة التطور ص 26.
(54) فقد " تعمقت تكنولولوجيا القرن العشرين في أصغر جسيمات الحياة وكشفت أن الخلية هي أكثر النظم التي واجهتها البشرية تعقيداً. ونحن نعلم - اليوم – أن الخلية تحتوي على محطات لتوليد الطاقة تنتج الطاقة التي تستخدمها الخلية، ومصانع تصنع الأنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة، وبنك معلومات تسجل فيه المعلومات الضرورية حول جميع المنتجات التي سيتم تصنيعها، ونظم نقل وخطوط أنابيبٍ معقدة لحمل المواد الخام والمنتجات من مكان إلى آخر، ومختبرات ومحطات تكرير متقدمة لتحليل المواد الخام الخارجية إلى أجزائها القابلة للاستخدام، وبروتينيات متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة منها 000 ولا تشكل هذه الأشياء سوى جزء صغير من هذا النظام المعقد بدرجة خيالية. "خديعة التطور " ص 106 و107.
(55) الأب جيوفاني مار تنتي " دواعي الإيمان في عصرنا " ترجمة الأب يوسف قوشاقجي ص 41 – 43.
(56) دواعي الإيمان في عصرنا ص 43.
(57) ويكيبيديا، بروميثيوس.
(58) الأب جبرائيل فرج البولسي " الله حقيقة أم خيال ؟ " ص 101.

(59) الله – حقيقة أم خيال، ص 200.
(60) ول ديورانت " قصة الحضارة " مكتبة الاسرة المجلد 14 ص 226.
كتاب " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه " القمص عبد المسيح بسيط
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق