الاثنين، 9 فبراير 2015

القول بالتحريف عند الأخوة المسلمين معناه وأسبابه

1 – ما هو التحريف؟ التحريف كما أصطلح علماء المسلمين هو تحريف الكلام بمعنى تفسيره على غير معناه بدون دليل وإعطاؤه معنى يخالف

معناه الحقيقي. ويعني اصل التحريف في اللغة تبديل المعنى(61). والتحريف اصطلاحاً له معانٍ كثيرة منها: التحريف الترتيبي: أي نقل الآية من مكانها إلى مكان آخر. ومنها تحريف المعنى وتبديله إلى ما يخالف ظاهر لفظه، وهذا يشمل التفسير بالرأي، وكل من فسر الكلام بخلاف حقيقته وحمله على غير معناه فهو تحريف. ومنها تحريف اللفظ: وهو يشمل الزيادة أو النقص، والتغيير والتبديل.
أولاً: التحريف بالزيادة: بمعنى أنّ بعض الكتاب ليس من كلام الكتاب الأصلي.
1- الزيادة في الآية بحرف أو اكثر.
2- الزيادة في الآية بكلمة أو أكثر.
3- الزيادة في جزء من الكتاب.
4- الزيادة في مجموع الكتاب.
ثانيأً: التحريف بالنقص: بمعنى أنّ بعض الكتاب لا يشتمل على جميع ما كتبه الأنبياء بالروح، بأنْ يكون قد ضاع بعضه إمّا عمداً، أو نسياناً، وقد يكون هذا البعض حرفاً أو كلمةً أو آية أو جزءاً من الكتاب.
1- النقص في الآية بحرف أو اكثر.
2- النقص في الآية بكلمة أو اكثر.
3- النقص في جزء واحد.
4- النقص في مجموع الكتاب.
 أي التحريف في تبديل كلمة بدل أخرى، التحريف في تبديل حرف بآخر، التحريف في تبديل حركة بأخرى.
هذا معنى التحريف وأقسامه كما عرفها وبينها علماء المسلمين.
والسؤال هو: هل ينطبق معنى التحريف هذا على أسفار الكتاب المقدس؟ وأن كان البعض يتصور ويزعم حدوث ذلك فهل يستطيع الإجابة على الأسئلة التالية؟
(1) متى حُرف الكتاب المقدس؟ وفي إي عصر تم التحريف؟
(2) هل تم التحريف قبل القرن السادس الميلادي أم بعده؟
(3) من الذي حرف الكتاب المقدس؟
(4) أين حُرف الكتاب المقدس؟ وفي أي بلد من بلاد العالم؟
(5) لماذا حُرف الكتاب المقدس؟ وما هو الهدف من ذلك؟
(6) هل يستطيع أحد أن يقدم دليلاً تاريخياً على هذا الزعم؟
(7) أين نسخة الكتاب المقدس الغير محرفة؟ وما هي النصوص التي حُرفت؟ وكيف تستطيع أن تميز بين ما حرف وما لم يحرف؟
(8) كيف تم التحريف؟ وهل كان في إمكان أحد أن يجمع جميع نسخ العهد القديم والتي كانت موجودة مع اليهود والمسيحيين، و جميع أسفار العهد الجديد التي كانت منتشرة في عشرات الدول ومئات المدن وألوف القرى، سواء التي كانت مع الأفراد أو التي كانت في الكنائس، ثم يقوم بتحريفها وإعادتها إلى من أُخذت منهم؟
 ولم يقل أحد قط من المسيحيين سواء من المستقيمين في العقيدة أو الهراطقة بتحريف الكتاب المقدس عبر تاريخ الكتاب المقدس والمسيحية. وبرغم ظهور الفرق المسيحية المختلفة، سواء في القرون الأولى أو في العصور الحديثة، وظهور البدع والهرطقات عبر تاريخ المسيحية، واختلافها وتباينها في الفكر والعقيدة حول شخص وطبيعة الرب يسوع المسيح، فلم تقل فرقة واحدة أو مجموعة من المجموعات بتحريف الكتاب المقدس.
 وقد كان كل من رجال الكنيسة والهراطقة علماء في الكتاب المقدس، وقد درسوا كل كلمة فيه وحفظوها عن ظهر قلب وكان لدى كل منهم نسخته الخاصة من الكتاب المقدس. وقد عُقدت المجامع المكانية والمسكونية ودارت فيها مناقشات حامية حول مفهوم كل منهم لآيات نفس الكتاب المقدس الواحد، فقد اختلفوا حول تفسير بعض آياته ومفهوم كل منهم لها، وجعل بعضهم آياته تخدم أفكاره الخاصة، ولكنهم جميعاً آمنوا بوحي واحد لكتاب مقدس واحد معصوم من الخطأ والزلل.
 كما لم يقل أحد من اليهود بتحريف الكتاب المقدس، وكان قد أنضم إلى المسيحية المئات من كهنة اليهود في السنوات الأولى للبشارة بالإنجيل، يقول الكتاب " وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع7: 6). كما دارت مناقشات حامية بين اليهود والمسيحيين حول ما جاء عن المسيح من نبوات في العهد القديم آمن بسببها الآلاف منهم وصاروا مسيحيين (أع2: 17-4). أنت تقرأ هذا الموضوع من مدونة ايماننا الاقدس
 ومن اشهر المناقشات في القرن الثاني الحوار الذي دار بين يوستينوس الشهيد وتريفو اليهودي، واعتمد كلاهما على آيات نفس الكتاب المقدس الواحد، العهد القديم، ولم يتهم أحدهما الآخر بتحريف الكتاب المقدس إنما اختلفا في التفسير والتطبيق. وبرغم ظهور آلاف الترجمات للكتاب المقدس فقد تُرجمت جميعها من النص الأصلي، العبري والآرامي الذي كتب به العهد القديم، واليوناني الذي كتب به العهد الجديد، ولدينا له مخطوطات ترجع لأيام الرب يسوع المسيح وأيام رسله الأطهار.
(2) الأخوة المسلمون والقول بتحريف الكتاب المقدس وأسبابه: يقول هؤلاء بتحريف الكتاب المقدس، التوراة والمزامير (الزبور) والإنجيل، برغم شهادة القرآن له وقوله أنه منزل من عند الله وأنه كلام الله ووحيه المنزل على الأنبياء من موسى إلى المسيح، بل ويعترف القرآن أن هذه الكتب كانت مع نبي المسلمين " بين يديه " وأنه جاء مصدقاً لها ومهيمناً عليها!! والسؤال هنا هو ؛ لماذا يقول هؤلاء بتحريف الكتاب المقدس؟
 والإجابة هي أن هذا القول جاء كمحاولة لإيجاد مخرج للخلاف القائم بين العقائد الجوهرية لكل من المسيحية والإسلام! ومن ثم فلم يقل أحد بتحريف الكتاب المقدس قبل العصور الوسطى وانتشار الإسلام في الأوساط المسيحية وذلك للأسباب التالية:
1 – شهادة القرآن للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (التوراة والزبور [ المزامير ] والإنجيل) على أنه كلمة الله الموحى بها وأنه هدى ونور، ولكن وجود اختلاف في العقائد الجوهرية بينهما أدى إلى القول بتحريف الكتاب المقدس!
2 – الاعتقاد بأن الكتاب المقدس بشر بنبي آخر يأتي بعد المسيح وعدم وجود ذكر لهذه البشارة المفترضة في الكتاب المقدس بعهديه. وأن كان البعض قد لجأ لتطبيق بعض النبوات التي تنبأ بها أنبياء العهد القديم عن شخص المسيح الآتي والمنتظر، وكذلك إعلان الرب يسوع المسيح لتلاميذه عن إرسال الباراقليط الروح القدس عليهم في يوم الخمسين، على أنها هي البشارة التي قيل عنها(62)!
3 – الاعتقاد بأن الإنجيل الذي نزل على المسيح هو إنجيل واحد لا أربعة، وأنه ليس أسفار العهد الجديد التي كتبها تلاميذه ورسله!!
4 – الاختلاف حول عقيدة تجسد المسيح وصلبه وفدائه للبشرية بتقديم ذاته فدية عن خلاص العالم كله والتي هي محور الكتاب المقدس بعهديه " فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله " (1كو18: 1).
5 – الاختلاف حول عقيدة لاهوت المسيح وظهوره في الجسد ووحدته مع الآب والروح القدس، عقيدة وحدانية الله الجامعة، الآب والابن والروح القدس، كالموجود بذاته = الآب، والناطق بكلمته = الابن، والحي بروحه = الروح القدس.
6 – وذلك إلى جانب بعض الاختلافات الأخرى سواء العقيدية أو التشريعية مثل طبيعة الحياة بعد الموت، في العالم الآخر " لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء " (مت30: 22)، " لان ليس ملكوت الله أكلا وشربا. بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس " (رو14: 17)، وقيام المسيحية على أساس الحب بلا حدود ولا قيود، محبة الأخوة بعضهم لبعض " وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبون انتم أيضا بعضكم بعضا " (يو34: 13)، ومحبة الأقرباء، " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك " (لو27: 10)، بل ومحبة الأعداء " وأما أنا فأقول لكم احبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " (مت44: 5).
7 – وكذلك تصورهم أن الكتاب المقدس لابد وأن يكون قد نزل دفعة واحدة على كل من موسى والمسيح!! ويصرون في نقدهم للكتاب المقدس على التمييز بين ثلاث نقاط في الوحي الإلهي ورسالة كل نبي هي ؛
ا كلام الله الذي نطق به مباشرة، مثل الوصايا العشر.
ب - كلام النبي الذي تكلم به من ذاته، مثل حديث إيليا مع الشعب " فتقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين الفرقتين أن كان الرب هو الله فاتبعوه وأن كان البعل هو الله فاتبعوه " (1مل 21: 18)، (وهذا ما يسمونه بالحديث النبوي أو بأقوال النبي).
ج - تسجيل المؤرخين لأعمال النبي وأقواله وسيرة حياته وعمل الله من خلاله، مثل تسجيل أحاديث الله مع موسى النبي وحوارات موسى مع هارون والشعب وفرعون والضربات العشر وتفاصيل الخروج من مصر في سفر الخروج، (وهذا ما يسمونه بتاريخ البنوة أو السيرة الذاتية للنبي ورسالته أو السيرة النبوية).
 ويتصور هؤلاء أن الكتاب المقدس الموجود حالياَ هو أقرب لسجلات المؤرخين وأن أسفاره هي ما كتب عن موسى وعن داود وعن الرب يسوع المسيح، ويؤمنون بأن هناك توراة أصلية نزلت على موسى وزبور أصلى نزل على داود وإنجيل أصلى نزل على المسيح، كما يؤمن غالبيتهم بان هذه الأسفار الموجودة حالياً قد أصابها التحريف والتبديل والتعديل.
 ثم تطور هؤلاء في نقدهم للكتاب المقدس بدرجة كبيرة ابتداء من القرن التاسع عشر بعد أن وصلت إليهم كتابات مدارس النقد الإلحادية بمذاهبها وأفكارها المختلفة، خاصة مدارس النقد الألمانية، وتغير أسلوبهم في نقد الكتاب المقدس فترجموا كتب النقاد المختلفة واستخدموها في المناظرات والكتب التي تهاجم المسيحية، وكانت البداية في الهند عندما جرت المناظرات بين هؤلاء وبين بعض رجال الإرساليات التبشيرية هناك والتي كان يتصور كل طرف في نهايتها أنه هو الذي خرج منتصراً!! ومن ثم فقد كتب هؤلاء عشرات الكتب في نقد الكتاب المقدس مستعينين بنفس كتابات وأفكار ونظريات النقاد بكل أنواعها واتجاهاتها ولا يزالون، وذلك على الرغم من أن معظم أفكار هذه الكتابات تناقض عقائدهم وإيمانهم بأنبياء مثل إبراهيم وأسحق ويعقوب وموسى والرب يسوع المسيح 00 الخ كما كتبت العشرات بل والمئات من الكتب في الدفاع عن الكتاب المقدس ولا تزال.
 والسؤال الآن هو ما مدى حقيقة وصحة هذه الادعاءات التي تشكك في الكتاب المقدس وتدعي تحريفه؟!
استمع لهذا الشهادة من الباحث المسلم اسلام البحيرى

--------------------------
(61) جاء في القاموس المحيط " والتَّحْرِيفُ : التَّغْييرُ، وقَطُّ القَلَمِ مُحَرَّفاً. واحْرَوْرَفَ : مالَ وعَدَلَ، كانْحَرَفَ وتَحَرَّفَ. وحارَفَهُ بِسُوءٍ : جازاهُ. والمُحارَفَةُ : المُقايَسَةُ بالمِحْرَافِ. والمُحارَفُ، بفتح الراءِ : المَحْدُودُ المَحْرُومُ. وطاعُونٌ يُحَرِّفُ القُلوبَ : يُميلُها، ويَجْعَلُها على حَرْفٍ، أي : جانِبٍ وطَرَفٍ ". وجاء في كتاب العين " والتحريف في القرآن تغيير الكلمة عن معناها وهي قريبة الشَّبه، كما كانت اليهود تُغَيِّر معاني التَّوْراة بالأشباهِ ".
 وقال الزمخشري : آي على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم، لا على سكون وطمأنينة كالذي يكون على طرف العسكر، فان أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن، والا فر وطار على وجهه. (راجع الكشاف 2 :146. الإتقان للسيوطي 4 : 210. التبيان للطوسي 1 : 24).
 وقيل أيضا : تحريف الكلام : تفسيره على غير وجهه، آي تأويله بما لا يكون ظاهراً فيه تأويلات من غير دليل. والتحريف هو أيضا تحميل اللفظ على معنى يخالف ظاهره من غير أن يقوم دليل إرادة هذا المعنى.
 قال الراغب الاصفهاني : وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين (راجع مفردات الراغب 112). وهذا يعني أن اصل التحريف في اللغة يراد به تبديل المعنى وبهذا المعني جاء في القران " يحرفون الكلام عن مواضعه " (مائدة 13 ونساء 46).

(62) أقرأ كتابنا " هل تنبأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح ؟ ".
كتاب " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه " القمص عبد المسيح بسيط ابو الخير
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق