ولكن هذه الأساليب لا توصل للحقيقة لأنه إذا تمسك الناقد أو أي إنسان
بافتراضات مسبقة خاطئة وغير سليمة وأصر عليها وتعصب لها
دون بحث الأدلة والقرائن فلن يصل أبداً للحقيقة. ومما
يدل على ذلك هو تأكيد العلماء الآن أن زمن النظريات القديمة للكون قد ولي وبرهنت
الثورة العلمية الحديثة على أن نظرية نيوتن القائلة أن الكون ثابت وله قوانينه
الثابتة قد ولى، وأنه لم يعد أحد يعرف ما يسمي ب " القانون الطبيعي بشكل كاف،
فقد غيرت نظرية النسبية لإينشتاين وبرهنت على أن الكون غير منقسم ولا حدود له
وأننا لا نعرف كل شيء عن الكون وقوانينه وبالتالي إمكانية حدوث المعجزات
والنبوّات، يقول ج. سوليفان في كتابه " حدود العلم ": " إنه منذ أن
طبع إينشتاين كتابه " النظرية الخاصة للنسبية " (1905) وكذلك أعمال بلانك
عن " إشعاع الأجسام السوداء "، واجه العلماء بما يسمى بالقانون الطبيعي
في كون غير مقسَّم ولا حدود له "(26).
ويكتب سوليفان قائلاً: " ما يسمى "
بالثورة العلمية " الحديثة تشمل حقيقة وهي ن نظريات نيوتن التي تحكمت في
العالم العلمي لمدة تقرب من مائتي سنة، وجدت أنها غير كافية، وأصبح واضحاً أن
الفلسفة الحديثة بما تتضمنه من نظرة جديدة، برغم عدم اكتمالها تبدو مختلفة عن
الفلسفات الأقدم "(27).
ويضيف چيمس مور في كتابه " المسيحية للعقل الرزين
" يقول: " يرى العلماء المعاصرون أن لا أحد يعلم " القانون الطبيعي
" بشكل كاف بحيث يمكن له أن يقول أن حدثاً ما يعتبر إخلالاً به. وهم يتفقون
على أن الفرد غير الثابت كعينة للزمن والمكان ليس كافياً لأن يكون أساساً لنضع
عليه فكرة عامة غير قابلة للتغيير تخص طبيعة العالم كله. وهكذا فإن المصطلح الشائع
الذي نسميه " القانون الطبيعي " هو في الواقع وصفنا الجامد والمحدود
للظواهر الطبيعية "(28).
ويؤكد جون مونتجومري على أن موقف معارضي ما فوق الطبيعة هو
في حقيقته له جانبان جانب فلسفي وآخر علمي. أولاً من الناحية الفلسفية: لا
أحد أقل من الإله يقدر أن يعرف الكون تماماً بحيث يستبعد المعجزات. وثانياً
من الناحية العلمية: لسبب أننا نعيش في عصر إينشتاين (وهو مخالف تماماً لعالم
نيوتن المطلق حيث كوَّن هيوم نظريته الكلاسيكية في مجادلة المعجزات). ولكن
الآن انفتح الكون لكل الاحتمالات. وأي محاولة لذكر القانون العالمي للسببية يصبح
لا فائدة منه، وليس هناك سوى الاعتبار الدقيق للصيغة التجريبية لحدث إعجازي هو
الذي يقدر أن يحدد ما إذا كان قد حدث فعلاً أم لم يحدث(29).
واستمرت تلك المناقشة في كتابه " التاريخ والمسيحية " وقال:
لكن هل يستطيع الإنسان الحديث أن يقبل المعجزة كما يقبل موضوع القيامة؟ والإجابة
مدهشة للغاية: يجب أن نقبل القيامة لأننا من أهل الزمن الحديث، نحن نعيش في زمن
إينشتاين. وبالنسبة لنا، ونحن لم نعد المخالفين لمن كانوا يعيشون في زمن نيوتن، لم
يعد الكون ثابتاً في نظرنا، ولم يعد ملعباً معروفاً نعلم كل قواعده. ومنذ إينشتاين
لم يعد لأي إنسان الحق في الحكم على أي حدث بسبب معرفته السابقة "
بالقانون الطبيعي".
الوسيلة الوحيدة لنعرف ما إذا كان الحدث قد وقع فعلاً هو أن نفحص
الأمر لنتأكد من وقوعه فعلاً. مشكلة المعجزات إذن يجب أن تحلّ في مجال الفحص
التاريخي وليس في مجال التوقعات الفلسفية "(30).
ويستكمل مونتجومري قوله: " تذكر إنه عندما يواجه المؤرخ معجزة،
فهو هنا لا يواجه شيئاً جديداً، كل الحوادث التاريخية فريدة من نوعها، وتجربة
شكلها الواقعي يمكن قبوله بطريقة تسجيلية، وهذا ما نتبعه هنا الآن، ليس هناك مؤرخ
له الحق في اختلاق نظام مغلق بأسباب طبيعية، لأن تصوُّر السبب هو شيء غريب، غير
منتظم، وله شكل شاذ "(31).
ويحذر فنسنت
تايلور وهو ناقد شكلي مخضرم من الرفض الجامد لكل ما هو إعجازي ويقول: " الوقت
متأخر هذه الأيام ليسمع من ينادي بأن المعجزات مستحيلة، هذه المرحلة من النقاش
تعتبر من الزمن الماضي. فالعلم يتواضع الآن، يوجه نظرة حقيقية للقانون الطبيعي عما
كان ملحوظاً في السابق، نحن نعلم الآن أن " قوانين الطبيعة " هي ملخصات
كافية للمعرفة المتاحة. الطبيعة ليست " نظاماً مغلقاً "، والمعجزات ليست
" تدخلات " في " نظام مؤسسي ". خلال الخمسين سنة الماضية
ترنحنا من جراء الاكتشافات العظمى والتي كان ينظر إليها في وقت ما بأنها مستحيلة،
لقد عشت حتى سمعنا عن تحطيم الذرة، ووجدنا العلماء وهم يتكلمون عن الكون بأنه
" فكرة عظمى وليس آلة عظمى ". هذا التغيير في وجهة النظر لم توثق في
الإطار المعجزي من الأحداث، لكنها تعني أنه عندما تتحقق شروط معينة فإن المعجزات
ليست مستحيلة، ولا يمكن لأي اعتقاد علمي أو فلسفي أن يقف في الطريق "(32).
---------------------
(26)
Ibid, p. 359.
(27)
Ibid, p. 359.
(28) Ibid, p. 359-360.
(29) Ibid, p. 360.
(30) Ibid, p. 359.
(31) Ibid, p. 359.
(32) Ibid, p. 360.
كتاب " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه صــ 32 : 42 "القمص عبد المسيح بسيط "
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |