ناقش الربيون اليهود، منذ القدم، كيفية كتابة التوراة، واجمعوا على وحيها
الإلهي وكتابة موسى النبي لها، ولكن مسألة " موت موسى النبي "
المذكورة في آخر سفر التثنية (تث5: 34-15) كانت
موضع نقاشهم في التلمود والمدراش، فكان بعضهم يرى أن موسى النبي كتبها بالوحي قبل
موته، بروح النبوّة(33)، وكان البعض الآخر يرى أن يشوع هو الذي كتبها بعد موت موسى
النبي.:
… فقال الربي جودا بن إلاي Judah Ben Ilai أن الآيات الأخيرة من التوراة كتبها يشوع(34).
…
وتقدم أجزاء من المدراش دليلاً على العصر الراديكالي الذي نقح فيه عزرا الكاهن
والكاتب نص التوراة وجعله قانونياً كما نعرفه اليوم. ويقول تقليد رباني أنه في سنة
(440 ق م) كان عزرا قد حرر نص التوراة(35)..
… وفي
العصور الوسطى بدا للربي أبراهام ابن عزرا وغيره أن أجزاء كثيرة في التوراة وكأنها
لم تكتب في عصر موسى، على سبيل المثال لاحظ تفسير ابن عزرا للتكوين 12: 6، 22: 14،
وتث 1: 2، 3: 11،،1: 6. ووجد الربي جويف بونيفلز عدداً من روايات البرية في الخروج(36).
… وفي
القرن الثاني عشر لاحظ المفسر ر. جوزيف بن ياسون عدداً من روايات البرية في الخروج
وفي العدد متماثلة جداً، وخاصة في حادثة المياه من الصخرة وفي قصة المن والسلوى.
وقال إن هذه الأحداث حدثت بالفعل مرة واحدة ولكن التقاليد المتوازية طورتها(37).
… وفي
القرن الثالث عشر لاحظ حزقيا بن ميمون بعض الملحوظات على النص التي سبق أن لاحظها
عزرا، وقال في تعليقه على تكوين 12: 6 أن هذا الجزء كتب من منظور مستقبلي(38).
…
ولاحظ الربي يوسف بونفيلز في القرن الخامس عند مناقشة تعليقات بن عزرا أنه يبدو أن
موسى لم يكتب هذه الكلمة بل كتبها يشوع أو بعض الأنبياء الآخرين بما أننا نؤمن
بتقاليد الأنبياء، فما الفرق إذا أن يكون من كتب هذه الكلمة هو موسى أو الأنبياء
بما أن كلمات كل منهم كتابات نبوية(39).
… ثم
جاء اسحق بن ياسوس من توليدوا (1057م) وقال أن قائمة الملوك المذكورة في سفر
التكوين (تك3: 36-5) كتبت في عصر يهوشافاط وليس في عصر موسى النبي. وعلق أبراهام
بن عزرا (1167م) على تثنية (1: 1) والتي تقول أن موسى النبي تكلم إلى بنى إسرائيل
" في عبر الأردن "، ثم أشار إلى مجموعة آيات أخرى في أسفار موسى النبي
الخمسة(40) وقال أنها كتبت بعد عصر موسى النبي(41).
وجاء اسحق ابرابانيل (1509م) بنظرية تقول أن الكتب بشكلها الحالي قد
جمعت في عصر متأخر من سجلات أقدم كانت محفوظة.
وهذه كانت مجرد أراء فردية لعدد يعد على أصابع اليد الواحدة وتخالف
التقليد والإجماع المسيحي اليهودي كما تخالف البرهان الداخلي للكتاب المقدس. هذا الموضوع من مدونة ايماننا الاقدس وذلك
على الرغم من أن هؤلاء النقاد لم يشكوا في كون موسى النبي هو كاتب التوراة بل
أفترض بعضهم يشوع هو الذي أكمل سفر التثنية أو أن الأنبياء أو بعض مدارس الأنبياء
المتأخرة أضافت بعض العبارات التوضيحية، بين قوسين، وأفترض البعض الآخر أن نصوص
التوراة جمعت من سجلاتها القديمة التي كانت محفوظة فيها وكتبت في شكلها الحالي دون
أي تغيير أو تبديل. إلى أن جاء المفكر اليهودي سبينوزا Spinoza (1632-1677م)، والذي كان يؤمن بوحدة الله
والطبيعة " الله والطبيعة واحد " وأنكر كتابة موسى للتوراة!! وقال في
كتابه " رسالة في اللاهوت والسياسة " أن عزرا هو الذي كتبها مستخدما
مواد أقدم جاء بعضها من موسى النبي ذاته(42). ثم جاء بعده كثيرون تنوعت أفكارهم
وتحديداتهم للتاريخ الذي ظن كل واحد منهم أن التوراة كتبت فيه.
وقبلت الكنيسة المسيحية التوراة وبقية أسفار العهد القديم بناء على
شهادة الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله لوحيها وقانونيتها وصحة وسلامة نصوصها،
مؤكدة على أن موسى النبي هو كاتب الأسفار الخمسة الأولى، التوراة، بوحي الروح
القدس (2تى16: 3؛2بط20: 1و21) وكذلك كتب الأنبياء الموحى إليهم بقية أسفار العهد
القديم(43). وسارت الكنيسة على هذا الأساس طوال القرون الأولى للميلاد ولم يخرج عن
ذلك سوى بعض الهراطقة من شيعة الناصريين والأبيونيين الذين رأوا في النصوص التي
تقول بموت موسى النبي دليلاً على أن موسى النبي لم يكتب أجزاء أو كل التوراة. وعلق
القديس جيروم (400م)(44)على بعض العبارات التي يتخذ البعض منها دليلاً على أن كاتب
التوراة ليس هو موسى النبي مثل عبارة " إلى هذا اليوم " (أنظر
تك20: 35؛ تث6: 34) المتكررة في الأسفار الخمسة، قائلاً: يجب أن تأخذ هذه العبارة
بكل تأكيد على أنها تشير إلى الزمن الذي كتُبت فيه سواء كان كاتبها هو موسى النبي
كاتب التوراة الأصلي أو عزرا الكاتب الذي أستعاد التوراة ونقحها، كما كان يؤمن
بذلك.
ويقول يونج
إن مثل هذه المراحل من النقد العدائي التي بدأت في الظهور في هذه الفترة يأتي إما
من مجموعات كانت تعتبر هرطوقية من العالم الوثني الخارجي. أو أن هذا النقد عكس
افتراضات فلسفية معينة لها سمة منحرفة وغير علمية(45). وهكذا فإن الإدّعاء أن موسى
لم يكتب الأسفار الخمسة بدأ أثناء القرنين الأولين بعد الميلاد وكان الأساس الذي
يستقر عليه هذا الاتهام هو وجود فقرات كان يُفترض أنها كُتبت بعد عصر موسى. ومع
أنه كان هناك قليل من الشك أن موسى هو الكاتب أثناء القرون التالية، فإن الجدال لم
يتحرك إلى أساس جديد حتى القرن الثامن عشر وسرعان ما ظهرت نظرية عدم كتابة موسى
لهذه الأسفار وتطورت بطريقة متسعة.
-------------------------
(33)
Int. St. Bib. Enc. Vol. 1, p. 819.
(34) Talmud, Bava Batra 15a and
Menachot 30a, and in Midrash Sifrei 357. See Documentary hypothesis From
Wikipedia, the free encyclopedia.
(35) Documentary
hypothesis From Wikipedia, the free encyclopedia.
(36) Ibid.
(37) Ibid.
(38) Ibid.
(39) Ibid.
(40)
تك 6:12؛ 14:22؛ حز 4:24؛ عدد 33؛ تث 11:3؛ 9:31،22،34.
(41) INt. St. Bib. Enc. Vol. 1, p. 819.
(42) رسالة
في اللاهوت والسياسة، ترجمة دكتور حسن حنفي، ف 8 : 265 -281.
(43) أنظر الفصل الثاني.
(44)
Ibid. P. 819.
(45)Young,
Introduction to the Old Testament,pp.113-114.
كتاب " الكتاب المقدس يتدى نقاده والقائلين بتحريفه صــ 34 : 37 "القمص عبد المسيح بسيط "
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |