أولاً : الكتابات المسيحية الاولى :
قرب نهاية القرن الأول , كانت أسفار العهد الجديد كلها قد كتبت ,
ولكن لم تكن المجامع الكنسية أو أية كنيسة على حده
·
قد جمعتها كلها كما جمعت العهد القديم لقد كانت هذه
الكتابات موحى بها من الله , ذات رساله روحية معاصرة انتشرت بين الكنائس فصارت
كاساس دائم للايمان والسلوك وفيما بعد جمعتها الكنيسة معاً ككتابات موحى بها من
الله كما قبلت رسمياً , وباجماع , كتبة هذه الأسفار باعتبارهم " اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس
" ( 2بط 1 : 21 ) , وليس ( بمشيئة اناس ) .
·
لقد أفادت أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون التى
قبلتها الكنيسة نهائياً , فى آن قصير قاعدة للايمان والسلوك . وكان أى شئ مناقض
للتعليم الجلى الواضح فى هذه الاسفار يعتبر بمثابة هرطقة .
ثانياً : التحديد اللفظى للأباء :
·
اطلق اسم " الاباء " فى العهد القديم على ابراهيم واسحاق ويعقوب , وقد ذكره الرسول بولس
فى العهد الجديد قاصداً به هؤلاء الكارزين المعلمين " لانه وان كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح
لكن ليس أباء كثيرون لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالانجيل " ( اكو 4 : 15
) .
·
لقد استخدم المسيحيون الاوائل لفظ " أب " ليطلقونها على المعلم يقول القديس ايرينيئوس اسقف ليون ( 130: 200
م ) , ( من علمنى حرفاً , كنت له ابناً وكان لى أباً ) , والاساقفة هم الذين
مارسوا التعليم المسيحى وقد لقبوا " أباء " . وفى فى بعض الكراسى
الرسولية مازالوا يدعوا الاسقف " أباً " كما فى كنيستنا القبطية . بحلول القرن الرابع وبدخول الكنيسة فى معارك لاهوتية ,
اتسع لفظ " اباء الكنيسة " ليضم الى الاساقفة المعلمين كل الكتاب
الكنيسيين طالما كانوا مقبولين فى الكنيسة وكانت كتاباتهم تتمشى مع التقليد الكنسى
.
·
ولكن ليس كل المعلمين أباء فمثلاً اوريجانوس : ( تنيح
عام 253 م ) , فهو وأحد من أعظم العقليات الممتازة فى تاريخ المسيحية ومن أشهر
علمائها , وقد حمل فى قلبه غيرة روحية وفى جسده نسكاً شديداً ومحبة كبيرة للمسيح
يسوع , كما اعترف بالايمان فى فترة اضطهاده , ولكنه كان يفتقر الى اتباع الاباء
واتزان الفكر اللاهوتى , فسقط فى عدة بدع فكرية ولاهوتية منعته من ان يصبح ابأ بين
الاباء الكنسيين فنطلق عليه لقب معلم وليس لقب أب .
ثالثاً : سمات أباء الكنيسة
اباء
الكنيسة هم الذين يحققون فى اشخاصهم الصفات الاربع التالية :
أ : العقيدة السليمة : فيما
يختص بالايمان بالثالوث الاقدس وطبيعة المسيح يسوع ابن الله الذى قام من بين
الاموات , وبالروح القدس وحلوله وعمله فى الكنيسة , وفى الاسرار وفى الليتورجيات ,
وبالاسفار المقدسة , وكافة الموضوعات الايمانية التى وردت فى الانجيل وكتب عنها
الأباء ووعظوا بها كما تسلموها فى التقليد الكنسى .
ب : قداسة السيرة : التى
تظهر ثنارها فى التعفف والتقوى والنسك واحتمال الالام وكافة الاضطهادات لأجل
الاعتراف بالمسيح . وهنا يصبح العمل بما يعلم به الاباء هو برهان التعليم الصحيح
تحقيقاً لقول الرب يسوع المسيح : "
من عمل وعلم , فهذا يدعى عظيماً فى ملكوت السموات " ( مت 5 : 19 )
.
ج : قبول الكنيسة لهم : واعتبارها
اياهم فى مركز ومقام الأب . وهؤلاء الأباء هم أول ابناء للكنيسة ورجال التقليد
فيها قبل أن يصبحوا أباء . فالكنيسة ربتهم ونشأتهم على الايمان الصحيح وعلى التقليد
فقدموه هم للكنيسة علم مسيحى أصيل ومعرفة نقية حسب الحق وفكر خصب ساهم فى تجديد
الصورة الايمانية وثبيتها فى مواجهة البدع والهرطقات التى حاربت الكنيسة قروناً
عديدة .
د : القدم : فاكنائس
الخلقدونية تحدد تاريخ انتهاء عصر الأباء فى حدود القرن السابع والثامن , ففى
الغرب ينتهى عصر الاباء بالقديس غريغوريوس الكبير ( انتقل عام 604 م ) , والقديس
ثيؤدوؤ ( انتقل عام 636 م ) , أما فى المشرق فينتهى عند الكنائس البيزنطية بالقديس
يوحنا الدمشقى ( انتقل عام 749 م ) , بينما تحدد الكنائس الاورثوذكسية غير
الخلقيدونية ( القبطية , الاثيوبية , والسريانية , والارمينية ) تاريخ انتهاء عصر
الأباء عند مجمع خلقيدونية ( 541 م ) وما بعده بقليل . ولقد اعتبر القرنان الرابع
والخامس قمة العصر الذهبى للاباء , واستطاعت الكنيسة بمجموعة أبائها القديسين
العباقرة والفلاسفة المسيحيين فى مواجهة عواصف الهرطقات الايمانية , وأن تحدد
الايمان الرسولى وتشرحه وتفسره وتوضحه للعقل لبناء فكر المؤمنيين الى جانب بساطة
قلوبهم . ولكن القدم وحده وفى حد ذاته ليس معياراً دقيقاً .
ولكن هل انتهى العصر الذهبى للأباء ؟
فما زال الروح يعمل فى الكنيسة الى الآن ؟
ففى كل عصر من عصور الكنيسة هناك تحديات عصرية دائماً كنوع من استمرار حرب الشيطان
ضد الكنيسة , فهى تحتاج الى هؤلاء الاباء الكنسيين والرسوليين المدافعين ليحفظوا
الايمان والتقليد فى قلوب المؤمنيين .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |