2 -
النقد الأعلى (النقد الأدبي والتاريخي):
والنقد الأعلى Higher Criticism يبحث في التكوين الداخلي
للأسفار المقدسة، أي تركيب السفر من حيث المصادر
التي أعتمد عليها كتّاب الوحي والطريقة التي اعتمدوا عليها واستخدموها في ضم هذه
المصادر، فيحلل تركيب السفر والأشكال الأدبية والأسلوب والمفردات اللغوية وتكرار
الكلمات ومنطق السفر ووجهة النظر فيه، وأي تغيير في الأسلوب أو اختيار الكلمات يدل
على اختلاف الكتابة أو زمن
التكوين، تكوين الكتاب(5).
(أ) نقد الشكل (Form
Criticism): وهو يفحص كتاباً ما من جهة طرق
تركيباته اللغوية وتعبيراته التي قد تبين مصادر مختلفة لعناصر محددة. " ومن
الواضح عند هذه المدرسة أن عزل الوثائق عزلاً دقيقاً - هو الذي تم إنجازه بواسطة
المدرسة الوثائقية - كان مستحيلاً. وكانت الطريقة العملية لفهم هذه الوثائق هي
استطلاع خبايا المصادر في هيئتها المكتوبة وفحص أنواع المقولات التي تنتمي إليها
المادة الأصلية في حالتها الشفوية، بعد ذلك تتبع طريق تطور كل وثيقة من هذه
الوثائق الشفوية إلى أن وصلوا أخيراً إلى صيغتها المكتوبة. ولقد ركزوا بشدة على
حالة هذه الوثائق المختلفة ليقرروا من خلالها أي نوع من العمليات تطورت إلى أن
وصلت إلى شكلها المكتوب "(6).
(ب) النقد المصدري (Source
Criticism)(7): معظم المصادر التي استقى
منها كتّاب الوحي مادة كتبهم الإلهية كانت شفوية لأنهم دونوا إعلانات الله التي
أعلنها لشعبه بواسطتهم، فكان مصدرها هو الله نفسه وقد أعلنها لهم بوسائل الإعلان
الإلهي المختلفة وذلك إلى جانب الأحداث الجارية الخاصة بعصر كل نبي على حدة والمرتبطة
بعلاقة شعب الله بهذا الإعلان وبالله ذاته. وتعتبر هذه الكتب هي المصدر الوحيد
المكتوب لهذه المواد الكتابية، مثل أسفار الأنبياء. ولكن هناك أسفار كانت لها
مصادر سابقة على عصر النبي وأحداث حدثت مع أجيال سابقة على جيله مثل سفر التكوين
الذي دون فيه موسى النبي تاريخ البشرية من الخليقة إلى يوسف الصديق. وهذه المصادر
ليست موجودة بين أيدي النقاد والباحثين ولكن أثارها واضحة في السفر نفسه. وهناك
بعض الأسفار التاريخية لا تزال بعض مصادرها موجودة بين أيدينا الآن، فهناك نصوص
كاملة متطابقة أخذها كاتب سفر الملوك الثاني (ص13: 18-1: 20-19) من سفر إشعياء
النبي (ص 34-39) وكان إشعياء هو النبي العامل فيها، أي أن سفر إشعياء هو أحد مصادر
سفر الملوك، التاريخي، وبقاء النصين في كلا السفرين يشهد بصحة كل منهما. كما أن
أسفار صموئيل والملوك تعتبر أحد المصادر الرئيسية لسفري أخبار الأيام، لذلك يمكن
الرجوع إلى هذه الأسفار للتأكد من صحة سفري الأخبار، والعكس صحيح أيضا لأن سفري
الأخبار اللذين كتبا في القرن الخامس ق م يشهدان على صحة أسفار صموئيل والملوك وأن
نصوصها التي بأيدينا اليوم هي هي كما كانت، على الأقل، في القرن الخامس قبل ميلاد
السيد المسيح. كما تشهد أجزاء من سفر إرميا لأجزاء من سفر الملوك الثاني (2ملوك 25
وإرميا 25) والعكس صحيح، كما أن خاتمة الأخبار الثاني هي فاتحة سفر عزرا وكلاهما
يشهد لصحة الأخر.
ولكن بقية مصادر الأسفار التاريخية الأخرى غير موجودة بين أيدينا، فقد
كان كهنة وملوك وأنبياء إسرائيل يسجلون الأحداث المعاصرة لهم ويحتفظون بسجلاتها
إلى جوار تابوت العهد، ثم بعد ذلك في الهيكل، وقد استعان الأنبياء كتاب الوحي
بأجزاء منها عند كتابة الأسفار التاريخية مثل قضاة وصموئيل والملوك والأخبار، وذلك
إلى جانب الأحداث الجارية التي كانت معاصرة للكتاب، مثل أحداث عصر إرميا والتي
دونها في سفر الملوك الثاني وأحداث عصر صموئيل النبي التي دونها في الإصحاحات
الأولى من سفر صموئيل الأول 00 الخ.
وبرغم أن هذه المصادر المفقودة لا حاجة لنا بها لأنها كانت تهتم
بحوليات الملوك والممالك وليست من أسفار الوحي إلا إننا نعرف الكثير منها من
الكتاب المقدس ذاته والذي أكد الفحص الدقيق لمحتوياته الداخلية إلى جانب كتب
التاريخ المدني القديمة والحفريات والكشوف الأثرية الكثيرة جدا صحة ودقة كل ما جاء
فيه.
(ج) معايير التاريخ: ويستخدم التحليل
التاريخي والمفردات اللغوية والتحليل الأركيولوجي (علم الآثار) للمكتشفات الأثرية
والحفريات لتحديد الموقع التاريخي للسفر(8). وهناك عدّة معايير لتحديد تاريخ أي سفر أو جزء من أسفار الكتاب المقدس مثل اقتباس
سفر من أخر أو إشارته إليه، وذكر أحداث - أو أشخاص - كانت معاصرة ولها سجلات أخرى
خارج الكتاب المقدس أو تنبؤ بعض الأنبياء عن أحداث سوف تتم بعد تنبؤهم بها أو حتى
بعد رحيلهم عن العالم أو بعد ذلك بمئات أو ألوف السنين. فهناك بعض الأسفار تقتبس
من أسفار أخرى كمعظم الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى واقتبسوا من شريعته أو أشاروا
إليها، وهذا يعنى أن تاريخ أسفار التوراة الخمسة أقدم من تاريخ كل أسفار الكتاب
المقدس، وبهذا المعيار أيضا تكون أسفار صموئيل والملوك اسبق من سفري أخبار الأيام.
وكذلك أيضا عندما يذكر أحد الأسفار حدثاً تاريخياً أو أشخاصاً لهم دور تاريخي
معاصر فتاريخ هذا الحدث أو هؤلاء الأشخاص يحدد لنا تاريخ السفر، مثل غزو سنحاريب
لمملكة يهوذا وحصار نبوخذ نصر لأورشليم. كما حددت لنا سجلات حضارات الشرق الأدنى
القديمة كبابل وأشور وكذلك سجلات مصر القديمة تاريخ بعض أجزاء العهد القديم. وعلى
سبيل المثال فقد مكنتنا السجلات الآشورية من تحديد تاريخ سفر إشعياء بتاريخ سابق لعام
701 ق م وهو العام الذي غزا فيه سنحاريب يهوذا(9).
وتحدد بعض الأسفار النبوّية تاريخها بذكر السنين التي تنبأ فيها
كتابها الأنبياء وأسماء ملوك هذه الفترة. فيحدد إشعياء تاريخ نبوءته وبالتالي سفره
بتاريخ أربعة ملوك " عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا " (إش1: 1)،
وكذلك هوشع يذكر نفس الملوك الأربعة (هو1: 1)، وهكذا يفعل عاموس (عا1: 1) وميخا
(ميخا1: 1) وصفنيا (صف1: 1) وحجى (حج1: 1) وزكريا (زك1: 1)، كل منهم يحدد تاريخ
سفره بالملك أو الملوك الذين كانوا معاصرين له.
وقد ساعدت الكشوف الأثرية والحفريات على إعادة بناء تاريخ الشرق
الأدنى القديم بتفصيل حاسم بدرجة معقولة وهكذا مكنتنا بدرجة كبيرة من تحديد الموقع
التاريخي المناسب لأسفار العهد القديم المختلفة.
وهناك
نبوّات تنبأ بها بعض الأنبياء عن أحداث تمت في أيامهم أو بعد ذلك. والنبوّة هنا
تحدد تاريخ السفر لأن النبوّة دائماً تسبق الأحداث المتممة لها، وعلى سبيل المثال
فقد تنبأ ناحوم النبي عن سقوط نينوى (نا8: 3و9) وتحققت نبّوته وسقطت نينوى عام 612
ق م وهذا، بدوره، يحدد لنا تاريخ سفر نحميا قبل 612ق م وليس العكس. كما تنبأ إرميا
وحزقيال عن حصار أورشليم وقد تم ذلك بالفعل سنة 588-587 ق م وبالتالي يكون تاريخ
هذه النبوّات قبل تاريخ الحصار، ثم عاد النبيان وسجلا أحداث هذا الحصار، بعد أن
تم، كأحداث تاريخية ومن ثم يكون تاريخ هذا السجل بعد تاريخ الحصار ولكن، كما يدل
السفر، قبل العودة من سبى بابل سنة 537 ق م بزمن.
---------------------
(5)
REVELL, p. 154.
(6) Josh
McDowell The New Evidence That Demands A Verdict, p. 399. & Revell, p. 154.
(7) The
International Standard Bible Encyclopedia vol. 1 p. 818,819.
- 27 -
(8) Revell, p. 154.
(9)
The Int. St. Bible Ency. vol. 1 p.819.
كتاب " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه صــ 26 : 28 "
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |