طرق دراسة الكتاب المقدس - النص الشعرى

سبق لنا وأن تحدثنا من خلال سلسلتنا الدراسية هذه فى الثلاثة مواضيع السابقة عن " طرق دراسة الكتاب المقدس " والتى بدأنها بالحديث النصوص القصصية فى الكتاب المقدس وعرفنا أنها تنقسم الى ثلاثة أنواع ( المعجزات , الامثال , القصص ) . , والأن ونحن هنا فى " مدونة ايماننا الاقدس " سننتقل بالحديث بكم الى نوع جديد من أنواع النصوص الكتابية وهو " النص الشعرى " فى الكتاب المقدس .

·       مدخل للبحث :

يعتبر الشعر عند بنى اسرائيل قديماً من أرفع وسائل التعبير , وقد كان الشعب معتاداً عليه وعادةً ما كان يستخدمه فى الاشياء التى كان يريد حفظها . لأن النصوص الشعرية هى تعبير وجدانى عن حالة الكتاب المقدس يرسم فيها من خلال مشاعره صورة عن الله وعلاقته به وبذلك فهو يخاطب مشاعر الانسان ويعلمه كيف يتعامل وجدانياً مع الله ,  ومن الممكن أن نجد فى بعض النصوص الشعرية مشاعر انسانية ذاتية أو موجهة نحو انسان اخر . ولذلك فهى اما انها مخاطبة أو مناجاة لله أو انها مناجاة ذاتية. أو انها تعبير عن مشاعر الكاتب من نحو أشخاص اخرين.

·       أمثلة للنصوص الشعرية فى الكتاب المقدس :

سفر المزامير ( وهو السفر المشهور من هذه النوعية من النصوص ) , الامثال , نشيد الانشاد , الجامعة , الحكمة , أيوب وبعض الصلوات الخاصة مثل ( صلاة يونان , وصلاة حنة , وصلاة السيدة العذراء , وصلاة زكريا الكاهن ) ولكل من هذه الاسفار رسالة يقدمها لنا بطريقة شعرية تبرز لنا الفكرة وتوضح الهدف من الكتابة . 

·       ملاحظات عامة على النص الشعرى :

-        ان النص الشعرى بطبيعته موجه لمخاطبة المشاعر , ولذلك احذر من أن تبحث عن معنى لكل كلمة أو توظيف منطقى للكلمات فى مكانها حيث أنه من الممكن للشاعر أن يكرر أو يرسم صورة شعرية ... مثلا فى ( مز 19 : 1 ) " السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه " , فهنا يمجد المرنم الله الخالق اذ هو ظاهر من خلال خليقته ولكنه لا يقصد أن السموات تقوم بعمل والفلك يقوم بعمل اخر , ولكن الشطرين يعلنان حقيقة واحدة ويؤكدانها .

-        لا يمكن قراءة الشعر بالطريقة التى نقرأ بها رسالة أو قصة بالكتاب المقدس أو مقطع من الشريعة . فالمقصود من الشعر فى الكتاب المقدس أن يؤثر فى العواطف ويثير المشاعر لا التفكير المنطقى . وهو لا يعد مصدر للشرح العقائدى , ومن الخطر أن نقرأه كأنه يقدم تعليماً عقائدياً أو مادة بحث أو الجدل الذهنى فمثلاً فى ( مز 51 : 5 ) " وبالخطية حبلت بى امى " لا يعنى هذا أن الحبل خطية أو ان امه كانت أثمة , ولكنه يصور بقوة أنه انسان خاطئ , فانتبه اذاً ألا تستخلص نظريات لم تكن مستهدفة من قبل الشاعر على الاطلاق .

-        ان المبالغات والمجازات هى مفردات شعرية مقصودة لذلك علينا أن نبحث على المقصود من ورائها . فمثلاً يوجد فى المصطلاحات الشعرية الكصير من التشبيهات , فلا نتمسك بالتشبيه وننسى الغرض من الاستعارة أو التشبيه فمثلاً ( مز 114 : 4 ) " الجبال قفزت مثل الكباش " , فهو هنا يتحدث عن قوة المعجزات التى رافقت خروج الشعب .

-        يتشابه الشعر العبرى مع الشعر العربى العمودى , فيتكون كل بيت شعرى من شطرين , ويختلف أنواعه من حيث مدى التوازن فى الشطرين , ويمتاز النص الشعرى بدقة الكلمات وتنسيق الايقاع وأستخدام الصةر البلاغية اللازمة لجله أكثر قرباً للذاكرة من النثر .

-        يتكون كل بيت شعرى فى الشعر العبرى من شطرين يحملان الوزن والقافية , وتختلف ى أنواعه من حيث مدى التوازى فى الشطرين كما يلى :

1-   الشعر المتوازى : وفيه الشطر الثانى يؤكد معنى الشطر الأول (أش 44 : 22 , أش 20 : 2 – 3 ) .

2-   الشعر المتضاد : وفيه الشطر الثانى يضاد الشطر الأول ( هو 7 : 14 , 14 : 9 ) .

3-   الشعر المتطور : وفيه الشطر الثانى ينمو ويطور معنى الشطر الأول ( عو 21 ) .

·       من هذه الاسالب :

1-   التوازى المترادف كما فى ( ام 6 : ) " ... قل للحكمة أنت أختى وادع الفهم ذا قرابة ... ) .

2-   التوازى العكسى كما فى ( ام 10 : 1 ) " ... الابن الحكيم يسر أبوه والابن الجاهل حزن أمه ... ) .

3-   ألتعاقب العددى كما فى ( أم 30 : 21 – 23 ) " ... تحت ثلاثة تضرب الأرض وأربعة لا تستطيع احتمالها تحت عبد اذا ملك وأحمق اذا شبع خبزاً , تحت شنيعة اذا تزوجت وأمة اذا ورثت سيدتها ... ) .

-        وهكذا , فهناك أساليب عديدة استخدمها كتاب النصوص الشعرية كوسائل توضح وتؤكد على المبادئ العامة التى أرادوا توصيلها ولذلك لا يجب علينا أن نتعامل معها حرفياً حتى لا نحيد عن الهدف المقصود منها ونشوهه .

·       سفر المزامير كمثال :

سوف نتحدث عن سفر المزامير كمثال :

1-   المزامير تعبر عن مشاعرنا وأحتياجاتنا لله .

2-   تعرفنا طرقه .

3-   لذا تساعدنا نتكلم عن أنفسنا وأحوالنا المختفة من ( فرح وحزن ونجاح وفشل وأمال ويأس ... ) بأستخدام كلمات الكتاب المقدس نفسه .

4-   كما أنها تساعدنا على التأمل فى طرق الله حيث نستطيع أن نأخذ من معونة .

وقد جمعت المزامير بعد الرجوع من السبى بحيث يكون المزمور الأول كمقدمة والـ 150 كنتيجة .  

·       ملاحظات خاصة بسفر المزامير :

1-   ليست المزامير نوعاً واحداً بل يوجد لها أنواع مختلفة وقد كان اليهود يفرقوا بينها .

2-   لكل مزمور هيكل " بناء " يتفق فيه مع المزامير التى من نفس نوعه .

3-   كل نوع من المزامير له هدف ومغزى فى حياة اسرائيل .

4-   لا يحسب أخذ أية واحدة من المزمور بدون المحتوى العام له حيث أن كل مزمور هو وحدة ادبية ويقرأ كله ولا نعتمد على أيات منه بدون المحتوى مثل ( مز 105 : 34 ) والتى لا تتفق مع ( مز 85 : 12 ) لانه فى بساطة فى ( مز 85 ) يتحدث عن الفوائد التى اعطاها الله لارض اسرائيل لبيان وفائه بعهده بينما فى ( مز 105 ) يصف تعامل الله مع فرعون حتى يطلق شعبه اسرائيل .

·       كتبة المزامير : 

-        كتب داود 73 مزموراً وموسى مزموراً وأحداً وسليمان اثنين والباقى لأساف وبنى قورح .

·       أنواع المزامير :

يمكننا تقسيم المزامير الى سبع مجموعات , هذا التقسم ليس جامداً ولكنه يساعدنا على تصنيف المزمور اثناء دراسته وهذه الانواع هى :

1-  الرثاء : أكبر مجموعة من المزامير ( أكثر من ستين مزموراً ) وهى تعبر عن معاناة الانسان وكفاحه ويأسه . وتنقسم الى : -

أ – رثاء شخصى :  مثل ( 3 , 22 , 31 , 39 , 42 , 57 , 71 , 120 , 139 , 142 ) .

ب – رثاء جماعى : مثل ( 12 , 44 , 80 , 94 , 137 ) .

2 – الشكر : وهى التعبير عن الشكر والفرح لله سواء للظروف أو الاشخاص .

أ – للفرد : مثل ( 18 , 30 , 32 , 40 , 66 , 92 , 116 , 118 , 138 ) .

ب – للجماعة : مثل ( 65 , 75 , 107 , 124 , 148 ) .

3 – التمجيد : وهى تمجيد الله لذاته أو لعظمته وعطاياه لكل الارض أو لشعبه , وكانت تستخدم فى العبادة الفردية أو الجماعية .

أ – تمجيد الله كخالق : مثل ( 8 , 19 , 104 , 148 ) .

ب – تمجيد الله كمحامى ومدافع عن اسرائيل مثل : ( 66 , 100 , 111 , 114 , 149 ) .

ج – تمجيد الله كسيد على التاريخ : مثل ( 33 , 103 , 113 , 147 , 146 , 145 , 117 ) .

4 – مزامير تاريخ الخلاص : وهى تركز على مراجعة أعمال الله فى التاريخ وخلاصه لشعبه فى خروجهم من مصر وكذلك اختياره لهم كأمة يأتى منها المخلص مثل : ( 78 , 105 , 106 , 135 , 136 ) .

5 – مزامير الاحتفالات :

أ – تجديد العهد : وهى تدعو شعب الله الى تجديد العهد الذى اعطاهم اياه من قبل على جبل سيناء مثل ( 50 , 81 ) .

ب – عهد داود : وتركز على أهمية اختيار الله لكرسى داود الذى يأتى منه المسيح المنتظر . مثل ( 89 , 132 ) .

ج – المزامير الملكية : مثل ( 18 , 2 , 21 , 20 , 45 , 72 , 101 , 110 , 144 ) , ومنها ( 18 ) شكر ملكى و ( 144 ) رثاء ملكى .

د – مزامير تتويج الملك : ويعتقد أن هذه المراسم كانت تتم سنوياً وتقرأ فيها هذه المراسيم مثل ( 24 , 29 , 47 , 93 , 95 , 99 .

هـ - مزامير صهيون أو مدينة أورشليم : لما لها من مكانة حيث الهيكل وكرسى الملك والمدينة المقدسة مثل ( 46 , 48 , 76 , 84 , 122 , 87 ) .

6 – مزامير الحكمة : وهى المزامير التى تمجد الحكمة مثل ( 36 , 37 , 49 , 73 , 112 , 137 , 128 , 133 ) , ومن الملحوظ أن الاصحاح الثامن من سفر الامثال هو أيضاً من هذه النوعية وهو أيضاً يمجد الحكمة .

7 – أغانى الثقة : وهدفها هو أن الله محل ثقتنا حتى فى الاوقات العصيبة ورعايته لشعبه ومن يؤمن به ويثق فى مشيئته له حياة أبدية وهى : ( 11 , 16 , 23 , 27 , 62 , 91 , 121 , 125 , 131 ) .

·       طرق دراسة النص الشعرى :

1-  اقرأ النص عدة مرات بقدر المستطاع حتى تصل الى حفظ اجزاء منه .

2-   اقرأ النص وحدد الانطباعات الأولى حتى تبدأ فى الدخول مع الكاتب فى مشاعره ( وقد تستطيع أن تحدد نوع المزمور ان كان النص المدروس مزموراً ) .

3-   ابحث ان امكن عن الظروف المحيطة بالكاتب , الخلفيات المختلفة , فقد يساعدك على معرفة أسباب الكتابة ودوافعها وهدفها من خلال النص نفسه أو المقدمات .

4-   من خلال تتبعك لأساليب الكتابة والقواعد السابق التحدث عنها هنا فى مدونة ايماننا الاقدس والخاصة بالنصوص الشعرية تواصل مع الكاتب فى الشعور فأبحث عن :

-        شكوى أو معاناه .

-        الثقة , حيث يعبر الكاتب عن ثقته بالله .

-        الاتكال على الله .

-        التذكر لأعمال الله أو وعوده .

-        الخلاص , حيث ينتظر الكاتب خلاص الله أو أن يذكر أن الله قد خلصه بالفعل .

-        الشهادة , كيف يشهد الكاتب لله واحساناته معه ويمجده عليها . 

5 – من خلال فهمك للصور والتركيبات اللغوية : 

-        ما هى مشاعر الكاتب التى يمر بها ولماذا ؟

-        هل حدث تطور فى هذه المشاعر , أين , كيف ؟

6 – بعد تعرفك على مشاعر الكاتب ومشكلاته ( ان جدت ) :  

-        كيف تصرفت أو شعرت عندما مررت بمشاكل مماثلة . هل تغيرت مشاعرك الأن ؟

-        هل حدث تغير فى طبيعة مشاعرك من نحو نفسك ومن نحو الله والاخرين بعد دراستك للنص ؟

-        كيف تستخدم التغيير الذى حدث فى مشاعرك لتغيير أفكارك وسلوكك وفهمك وقلبك ونياتك ؟

-        علينا أن نضع فى الاعتبار أن التطبيق الذى تخرج به من النص غالباً ما يكون على مستوى المشاعر , لكن من الواجب أن يكتمل هذا التطبيق فى صورة تغيير فى الأفكار والسلوك والفهم والقلب والنيات من نحو نفسك ومن نحو الله ومن نحو الاخرين واضعاً فى صلاتك الشخصية طلبة من أجل هذا التغيير .

والى هنا عزيزى الدارس لكلمة الرب نأتى الى ختام درسنا هذا ... على أمل أن نلتقى بك فى درس جديد من سلسلتنا الدراسية هذه " طرق دراسة الكتاب المقدس " حيث سيكون درسنا القادم بعنوان " النص النبوى فى الكتاب المقدس " ... وسلام الرب الذى يفوق كل عقل يملأ حياتك.

شارك الموضوع

روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode