الاثنين، 6 يونيو 2016

سمات تعليم القديس باسيليوس عن الزمن


لقد بدأ القديس باسيليوس عمله بمواجهة المشاكل العملية للكنيسة , واهتم بالبحث فى مشكلة الزمن لفترات طويلة . واعتبر أن المفهوم المسيحى الرؤيوى للزمن , هو أمر أساسى , الأمر الذى لم يقبله الهراطقة , وطرحوا أفكاراً آخرى مغايرة , متأثرين بذلك بالفكر الفلسفى وظهور بعض الآراء المضللة المتعلقة بعقيدة الثالوث , وبعمل المسيح الخلاصى , وخلق العالم العاقل وعلاقته بالله .



أمام هذه الآراء المنحرفة كان على القديس باسيليوس أن لا يكتفى بمقاومة الهراطقة بشكل سلبى فقط , بل أنه بعدما شرح المفهوم المسيحى للزمن بشكل دقيق , بدأ فى تحديد المصطلحات الزمنية التى أتت بها الفلسفة . هذا التحديد كان هدفه تفسير وشرح هذه المصطلحات تحت نور الاعلان الالهى .
لم يكتب القديس باسيليوس عملاً متصلاً عن الزمن , فتعليمه المتعلق بالزمن وجد فى أعماله الثلاثة الآتية :
1 -  ستة أيام الخليقة
2 -  عن الروح القدس
3 -  ضد افنوميوس .
وهذه الأعمال الثلاثة تحمل سمات دفاعية , وقد أخذ القديس باسيليوس الدافع لكتابة هذه الأعمال , من تلك الآراء الخاطئة والمضللة التى نادى بها الهراطقة , وحاول أن يصيغ المواقف الاورثوذكسية بأكبر قدر من الوضوح والبساطة . ولذلك عند دراسة تعليم القديس باسيلوس , يجب أن نضع فى الاعتبار , الأسباب التاريخية التى دفعته للكتابة ثم نتناول أرائه بهذه الكيفية , وذلك حتى يمكن فهمها بدقة وصواب .
أيضاً لكى يفهم المرء تعليم القديس باسيليوس عن الزمن بصورة أفضل , يجب أن ينتبه للمنهج التربوى والبناء فى تعليمه عن الزمن . ويستطيع القارئ لكتابات القديس باسيليوس أن يجد مصطلحات خاصة بالزمن , لها وجود فى الفكر التأملى والفلسفات القديمة مثل " الأزلى " , " الأبدى " , " المدى " , " الاتساع " , " الزمن " . الا أن محتواها يختلف عن نظيرها من المصطلحات  الفلسفية بشكل واضح جداً , حتى أنها تأخذ معنى جديداً تماماً .
لقد ميز الآباء " الأزلى " عن " الأبدى " , وهكذا فعل أتباع أريوس أيضاً , لكنهم فعلوا هذا , لكى يؤسسوا لفكرة أن الابن أقل من الآب . أما الآباء قد احفظوا بهذا التمييز لكى يؤكدوا على وحدة الثالوث القدوس فى الجوهر , وعلى المسافة الفاصلة بين العالم المرئى وغير المرئى . وبينما ترى الفلسفة أن " الأزلى " , أقل من " الأبدى " يرى القديس باسيليوس أن " الأزلى " هو فوق " الأبدى " , وفوق الزمن كله , وهذا أمر يفوق الأمكانيات الذهنية للانسان . هذه الرؤية المضادة للفلسفة , ترجع الى أن استخدام مصطلح " أبدى " فى الكتاب المقدس , هو لأعلان فترة زمنية كبيرة , وليس لأعلان حالة لا زمنية . أما مصطلح " الأزلى " بالمفهوم اللاهوتى , فأنه ينسحب على الثالوث القدوس فقط , الا أنه ينبغى أن لا يتطابق مع تعبير " غير المولود " وهو المصطلح الخاص " بالآب " , كما فعل أفنوميوس وأتباعه , اذ طابقوا بين المعنيين  ( أى الأزلى , وغير المولود ) , لذلك رفضوا أن ينسب للابن مصطلح " الأزلى " لأنه مولود . لقد أقر القديس باسيليوس بأن تعبير " غير المولود " يخص ذاك الذى لا بداية له , ولا علة لوجوده , بينما " الأزلى " , هو الذى له وجود يتجاوز  كل الزمن وكل الأبدية . وبناءاً على ذلك فان كان الابن لا يحمل خاصية " غير المولود " الا أنه " أزلى " , والآب أيضاً الذى يوصف بأنه " لا بداية له " أو " غير المولود " , يوصف أيضاً بأنه أزلى " . 
ولذلك لا ينبغى أن يعتبر الابن أقل من الآب من حيث الوجود . والا سيكون ذلك معناه أن هناك مسافة زمنية تفصل بين الابن المولود والآب غير المولود . وهذا يتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس الذى يؤكد أن " الابن مولود من الآب قبل كل الدهور " وأن " كل شئ به كان وبغيره لك يكن شئ مما كان " ( يو 1: 3 ) .
يقول القديس ديونيسيوس الأسكندرى : ]  لم يكن هناك وقت , لم يكن فيه الآب أباً , وبالتالى لم يكن هناك وقت , لم يكن الابن فيه ابناً . لأن الابن مولود من الآب . وبما أن الابن هو بهاء النور الازلى , فهو أزلى , أيضاً كالنور . لأن النور يعرف من حقيقة كونه يضئ , ويستحيل وجود نور لا يضئ . هكذا فان شعاع الله الازلى يضئ أزلياً , وهو كائن معه بلا بداية , ومولود دائماً منه , فهو نور من نور [ .
وما ينطبق على الآب والابن , ينطبق أيضاً على الروح القدس , الذى يوصف أيضاً بأنه أزلى بطبيعته , لأنه واحد مع الآب والابن فى الجوهر . وهناك مواضع كثيرة فى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد , تؤكد على هذه الوحدة , وهذه الأزلية . نخلص من كل هذا أنه طالما أن مصطلح " الأزلية " يشير الى الحالة التى هى الأبدية , وقبل الزمن فان عقل الانسان لا يستطيع أن يدرك معنى البداية , ولا تستطيع قدرته على التخيل أن تخترق الى حيث لا زمان , ولا مكان .
وهكذا فان القديس باسيليوس وهو يقاوم الهراطقة الذين فصلوا زمنياً بين الآب والابن , يدعوا الجميع الى قراءة ما أعلنه الروح القدس على فم القديس يوحنا البشير فى افتتاحية انجيله " فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " ( يو 1 : 1 ) .
اذ يرى القديس باسيليوس أن هذه العبارة تقدم تعليماً واضحاً عن لاهوت الابن , فبداية الكلمة ليست باقى البدايات . ثم يقول واذا كان هناك من ينادى بأن الابن لم يكن موجوداً , طالماً أنه ولد فى الزمن , أو كيف وجد قبل أن يولد , فما عليك الا أن تتمسك بعبارة " فى البدء كان الكلمة " . فان لم نبتعد عن كلمة " كان " , فسوف يمكننا أن نمنع الأفكار الخبيثة من العبور الى أذهاننا , وسنسخر من تلك الأفكار التى تثيرها الأرواح الشريرة , والتى تؤدى الى زعزعة ايمان الكثيرين , وذلك ان كنا نتحصن فى قوة هذه الكلمات " فى البدء كان الكلمة " . ثم يضيف القديس باسيليوس قائلاً أن القديس يوحنا الانجيلى قد دعى الابن " بالكلمة " , لكى يظهر الولادة من الآب بغير ألم , ولكى يعلن أن الاتحاد بين الآب والابن هو منذ الأزل " ( فى البدء كان الكلمة " , للقديس باسيليوس , ترجمة دكتور سعيد حكيم ص 25 -  19  )
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق