السبت، 11 يونيو 2016

أهمية دراسة الفكر الآبائى



ما أهمية دراسة الفكر الآبائى  ؟
قد تشكل الأجابة على هذا السؤال الصعوبة لدى البعض , لكنها ليست كذلك بالنسبة للذين تحققوا  من أهمية عمل الآباء بالنسبة للكنيسة , وذلك للأسباب التالية :   


السبب الأول : الذى يجعل من الضرورى أن نتقدم وندرس الفكر الآبائى , هو أن نتعرف على تلك البصيرة الروحية التى كانت تميزهم , وعلى غنى المسيح الذى ملأ كل كيانهم , وأن نتلامس مع تأثيرات الروح القدس على  شخصياتهم المقدسة , وأن نقترب من جهادهم الروحى للوصول الى معرفة الحقيقة  , وأن نستمع لنبضات قلوبهم وهم يقتربون رويداً رويداً من معرفة الحق , وأن نعيش معهم شيئاً من اختباراتهم الالهية , أى أن نتعايش مع حزنهم , فرحهم , واحباطاتهم , والآمهم , وتعثرهم , وانتصاراتهم , واحساسهم العميق بالآخر واختطافهم الى السماء ومعرفة سر المسيح . وأن نتتبع قبولهم المطلق للتقليد الكنسى , وثقتهم العميقة فى عمل الرح القدس , وأن نحيى شجاعتهم فى نحت مصطلحات لاهوتية جديدة .
السبب الثانى :  أن نتعلم منهم منهج التفكير الصحيح , وطريقة ترتيب الأولويات , وكيفية التعامل مع ثقافات العصر , وكيفية استخدامهم للغة , وأيضاً استخدامهم للفلسفات المتنوعة . وأن نتعرف على شجاعة نفوسهم , ونبلهم وأحساسهم بالآخر , وهو أمر له أهمية قصوى فى حياة الآباء . وعندما نتلامس مع مسيرة الآباء الروحية واللاهوتية , يجب أن نضع فى اعتبارنا حضور وعمل الروح القدس فى نفوسهم , لأن الذى يتكفل باعلان الحقيقة الالهية , هو ذلك الروح المحى العامل فى أولئك الذين يجاهدون باستقامة , فالحق الالهى لا يستعلن من خلال الكتابات المدرسية النظرية . وهذا ما شهد به القديس غريغوريوس النيسى فى تفسيره لسفر ناشيد الأناشيد , اذ يقول ]  ان الروح القدوس هو الذى يعطينا القوة ويحرك أفكارنا ويتقدم اقوالنا  [ ] 1 [ . هكذا نستطيع أن نعيش عمل الحقيقة , حين نتقرب من هؤلاء الأباء المجاهدين المسوقين بنعمة الروح القدس , بينما لا تستطيع الكتابات النظرية أن تصنع شيئاً آخر , سوى اثراء معلوماتنا ومعارفنا فقط . فحتى يكون الشخص حاملاً للتقليد , وصاحب كلمة على المستوى الشخصى , ويتصف بالشجاعة , ينبغى أن يكون قد تذوق وتلامس مع الخبرات الآبائية , ومع معاناتهم والآمهم وجهادهم لأجل اعلان هذا هذا الحق الالهى والكرازة بالخلاص . بمعنى أنه لكى يؤسس ويبدع المرء شيئاً حقيقياً ونافعاً لتتميم الخلاص فى حقل التعليم اللاهوتى , فينبغى أن قلبه وفكره  شاهدين على هذه المواقف الأبائية من أجل اعلان الحق . شئ مثل هذا , كان يحدث فى التاريخ اليونانى القديم حيث كان المواطنون يبدون اهتماماً بالغاً بالتراجيديا التى كانت تؤدى على المسرح اليونانى , وكانت الدولة تعتبر  متابعة كلمات التراجيديا من قبل المواطنين , أمر شديد الأهمية , حتى أنها خصصت تذاكر مجانية  لأولئك الذين ليست لديهم قدرة على دفع أثمانها . الموقف اليونانى هذا كان موفقاً و صائباً جداً , لأنه أظهر مدى الاهتمام بكلمات وأحاديث التراجيديا اليونانية . ومدى تقديرهم لهذه النوعية من الفكر الانسانى . ومع ذلك فان المشاهد المأسوية التى كانت تؤدى فوق المسرح , والمعطيات التاريخية , والاسطورية للتراجيديا القديمة , لم تكن معروفة للكافة , بل فقط لفئة قليلة من المثقفين . ] 2[
لقد احتل الآباء فى الكنيسة , تلك المكانة التى كانت للمبدعين اليونانيين فى العمل التراجيدى المسرحى , فكما كان اليونانى يعرف الأحداث , ويسعى فى أثر الدهشة المرتبطة بالتراجيديا , هكذا يتعرف المؤمن على التعليم اللاهوتى للآباء , لكنه يطلب أن يقترب من معرفة ولادة هذا التعليم , وأن يتذوق الخبرات الروحية التى عاشها الآباء . هكذا فقط سيتعرف الباحث على التعاليم اللاهوتية الحقيقة , حتى يستطيع أن يمارسها فى مواجهة المشكلات المعاصرة . لأن كتابات الآباء وثيقة الصلة بالعصر الحالى أيضاً , اذ هى تتجاوز المكان والزمان , لأنها ممسوحة بنعمة خاصة من الروح القدس الذى قدس أفكارهم  , وكان ملهماً لهم فى تعاليمهم وكتاباتهم .
السبب الثالث : الذى يدفع باتجاه دارس كتابات الآباء , والتأكيد على أهميتها  , هو أن هذه الكتابات هى مصدر موثوق فيه للمعرفة اللاهوتية , المنبثقة من الايمان المستقيم الذى حفظه الآباء وعبروا عنه بكل وضوح . فهذه الكتابات هى جزء أساسى من تقليد الكنيسة , ومصدر هام تستقى منه الكنيسة نصوص الليتورجيات التى تستخدمها فى ممارسة الأسرار .
فالقداسات الثلاثة المستعملة فى كنيستنا القبطية , الباسيلى , والغريغورى , والكيرلسى , هى من وضع القديس باسيليوس الكبير اسقف كبادوكية , والقدس غريغوريوس اللاهوتى اسقف القسطنطينية , والقدس كيرلس الكبير ( عمود الدين ) , كما أن نصوص ليتورجيات ( المعمودية , والميرون , ومسحة المرضى , والزواج , والكهنوت ) , ونصوص تقديس المياه فى اللقان , وصلوات تدشين الكنائس , كل هذا من وضع آباء الكنيسة فى القرون الأولى . كما أن كتابات الآباء تعد مصدراً هاماً ورئيسياً فى تفسير أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد .
وأخيراً فان كتابات الآباء تحمل أهمية لها طبيعة خاصة , تتصل بالموضوعات التى تناولتها , فقد كتبوا فى موضوعات شتى , وهذه الموضوعات وان كانت لها علاقة مباشرة بظروف عصرهم , الا أنها أيضاً نافعة لمعالجة مشاكل عصرنا الحالى مثل : الحديث عن كيفية معاملة السلطة الحاكمة , والحديث عن وقت الحرب ووقت السلم والمشاكل الاجتماعية مثل : الفقر والغنى , والجهل والمرض , أهمية العمل , المجاعات , الزواج والطلاق , تنشئة الابناء , معاملة الوالدين , علاقة الانسان بالبيئة الخ . وأخيراً فان دراسة الآباء توضح الدور الهام الذى لعبوه فى المجامع المسكونية , بشأن صياغة القرارت الصادرة عن هذه المجامع , وتحديد مضمون الايمان المستقيم الذى أجمعت عليه الكنيسة وتم قبوله من الكافة .
---------------------------  
(  1  )  PG 44 , 1010 AB , 1B
(  2 )  Στυλιανός Γ. παπαδοπόλου , πατρολογία , του . Α . 1882. Σελ.
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق