الزمن فى التعليم اللاهوتى , هو الاطار الذى تحقق فيه خلاص الانسان , وأصبح له قيمة بتأنس كلمة الله . لقد تحقق ربط الزمن بالأبدية بتجسد المسيح , ومن تلك اللحظة الفارقة فى تاريخ البشرية , صار للانسان المؤمن أن يتحرر من الحدود المكانية والزمنية المحيطة به
وأصبحت البيئة التى يعيش فيها بعد السقوط بيئة لا ينتسب
اليها , ولا يشعر فيها بالهدوء والسلام , ولم يعد فيها هذا الامتداد الأبدى , وهذه
الآفاق الالهية الرحبة التى لا نهاية لها , بل انه يرغب فى العودة الى مكانه الطبيعى , لأنه يبتغى
وطناً أفضل أى سماوياً كما يقول الرسول بولس فى رسالته الى العبرانيين . فالهدف
الأساسى الذى يرمى اليه الانسان المسيحى فى جهاده الروحى , هو أن يعيش متحرراً من
الاحساس بالزمان والمكان .
ان الزمن الذى
يراق والأبدية التى تستمر وتبقى , يوجد بينهم بحسب الفكر الآبائى علاقة نوعية ,
وليس تعارض الثنائية . الزمن لا يعد عائق لوصول الانسان للحياة الأبدية , بل أن
هذا العمل الالهى فى الخلق والذى وصف بأنه
" حسناً جداً
" أصبح يمثل مرحلة مؤقتة , ولكن وهب للانسان فيها امكانية العمل المشترك مع
النعمة الالهية , وشركة الروح القدس . فالشبع بنعمة الروح القدس هو الذى يقود
المؤمنين بأن يشعروا بأنهم غرباء ونزلاء فى هذا العالم , بل ويستطيعوا من الآن أن
يتذوقوا وبشكل سرى خبرة الحياة الروحية , وشركة الطبيعة الالهية فى هذه الحياة
الحاضرة , هكذا فقط يشرق نور الحياة الأبدية على الكنيسة .
ان الرؤية المسيحية للكمال , لا تتحقق فى اطار
اللازمن التى كانت قبل التاريخ , بل فى اطار كمال التاريخ واكتماله فى المسيح .
فالفكر الآبائى الممسوح بالروح القدس , يعتبر الزمن وكل ما له علاقة به , هو فى
مسيرة تتجه نحو الله , وهذه الرؤية تساعد الانسان فى تحقيق هدفه النهائى .
ولذلك فان مفهوم
الزمن عند آباء الكنيسة مرتبط بثلاث معان أساسية :
1 - الايمان
2 - الرجاء
3 - المحبة
هكذا نظر الآباء
الى الزمن , ليس باعتباره ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بجوهر الانسان , بل كعمل الله
الذى أنجزه لأجل الانسان , بل أصبح للزمن معنى بوجود الانسان فيه .
هذا التفسير
للزمن المرتبط بأن الانسان هو مركز
الخليقة , لا ينبع فقط من حقيقة أن الزمن فى تطور وتغير , بل يرجع أيضاً وبشكل
أساسى الى أعمال الله الخلاصية التى تظهر وتقدم فى اطار المكان , وتدرك داخل الزمن
, هى لأجل اعداد الانسان من الآن لحياة أفضل بعد انتهاء هذا العالم . فهذا العالم
الى زوال , كما يقول القديس يوحنا البشير " العالم يمضى وشهوته " ( يو 2
: 17 ) , أى أنه سيدخل مرحلة اعادة الخلق , والتجديد الكامل . هكذا يتضح وبجلاء أنه لكى
تحل مشاكل أساسية مثل : غاية الانسان , هدف الخلق , علاقة
المكان بالقوة الالهية الخالقة , تحديد معنى الفناء والديمومة , طريقة وجود العالم
المنظور , والتمييز بين الله والانسان , كل هذا يحتاج بالضرورة
لتحديد معنى الزمن . فمفهوم الزمن يساعد فى تشكيل الرؤية الروحية والأخلاقية
للحياة , وأيضاً يعطى تفسيراً صحيحاً وحقيقياً لمعنى الوجود الانسانى .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |