السبت، 4 يونيو 2016

مفهوم الزمن فى اللاهوت المسيحى


الزمن فى التعليم اللاهوتى , هو الاطار الذى تحقق فيه خلاص الانسان , وأصبح له قيمة بتأنس كلمة الله . لقد تحقق ربط الزمن بالأبدية بتجسد المسيح , ومن تلك اللحظة الفارقة فى تاريخ البشرية , صار للانسان المؤمن أن يتحرر من الحدود المكانية والزمنية المحيطة به



وأصبحت البيئة التى يعيش فيها بعد السقوط بيئة لا ينتسب اليها , ولا يشعر فيها بالهدوء والسلام , ولم يعد فيها هذا الامتداد الأبدى , وهذه الآفاق الالهية الرحبة التى لا نهاية لها , بل انه يرغب  فى العودة الى مكانه الطبيعى , لأنه يبتغى وطناً أفضل أى سماوياً كما يقول الرسول بولس فى رسالته الى العبرانيين . فالهدف الأساسى الذى يرمى اليه الانسان المسيحى فى جهاده الروحى , هو أن يعيش متحرراً من الاحساس بالزمان والمكان .
ان الزمن الذى يراق والأبدية التى تستمر وتبقى , يوجد بينهم بحسب الفكر الآبائى علاقة نوعية , وليس تعارض الثنائية . الزمن لا يعد عائق لوصول الانسان للحياة الأبدية , بل أن هذا العمل الالهى فى الخلق والذى  وصف بأنه " حسناً جداً " أصبح يمثل مرحلة مؤقتة , ولكن وهب للانسان فيها امكانية العمل المشترك مع النعمة الالهية , وشركة الروح القدس . فالشبع بنعمة الروح القدس هو الذى يقود المؤمنين بأن يشعروا بأنهم غرباء ونزلاء فى هذا العالم , بل ويستطيعوا من الآن أن يتذوقوا وبشكل سرى خبرة الحياة الروحية , وشركة الطبيعة الالهية فى هذه الحياة الحاضرة , هكذا فقط يشرق نور الحياة الأبدية على الكنيسة .
 ان الرؤية المسيحية للكمال , لا تتحقق فى اطار اللازمن التى كانت قبل التاريخ , بل فى اطار كمال التاريخ واكتماله فى المسيح . فالفكر الآبائى الممسوح بالروح القدس , يعتبر الزمن وكل ما له علاقة به , هو فى مسيرة تتجه نحو الله , وهذه الرؤية تساعد الانسان فى تحقيق هدفه النهائى .
ولذلك فان مفهوم الزمن عند آباء الكنيسة مرتبط بثلاث معان أساسية :
1 -  الايمان
2 -  الرجاء
3 -  المحبة
هكذا نظر الآباء الى الزمن , ليس باعتباره ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بجوهر الانسان , بل كعمل الله الذى أنجزه لأجل الانسان , بل أصبح للزمن معنى بوجود الانسان فيه .
هذا التفسير للزمن المرتبط بأن  الانسان هو مركز الخليقة , لا ينبع فقط من حقيقة أن الزمن فى تطور وتغير , بل يرجع أيضاً وبشكل أساسى الى أعمال الله الخلاصية التى تظهر وتقدم فى اطار المكان , وتدرك داخل الزمن , هى لأجل اعداد الانسان من الآن لحياة أفضل بعد انتهاء هذا العالم . فهذا العالم الى زوال , كما يقول القديس يوحنا البشير " العالم يمضى وشهوته " ( يو 2 : 17 ) , أى أنه سيدخل مرحلة اعادة الخلق , والتجديد الكامل . هكذا يتضح وبجلاء أنه لكى تحل مشاكل أساسية مثل : غاية الانسان , هدف الخلق , علاقة المكان بالقوة الالهية الخالقة , تحديد معنى الفناء والديمومة , طريقة وجود العالم المنظور , والتمييز بين الله والانسان , كل هذا يحتاج بالضرورة لتحديد معنى الزمن . فمفهوم الزمن يساعد فى تشكيل الرؤية الروحية والأخلاقية للحياة , وأيضاً يعطى تفسيراً صحيحاً وحقيقياً لمعنى الوجود الانسانى .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق