الوحدة الالهية المطلقة ( الله الواحد المطلق ) :
ان المعنى
الحقيقى للألوهة يقود بالطبيعة الى الايمان بوجود اله واحد . وعلى الدوام
يؤكد الكتاب المقدس هذه الحقيقة ويرفض آلهة الأمم . ومن الأمثلة على ذلك :
" انك قد رأيت
لتعلم أن الرب هو الاله . ليس آخر سواه " ( تث 4 : 35 ) " أنا هو الرب
الهك الذى أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية . لا يكن لك آلهة أخرى أمامى . لا
تصنع لك تمثالاً مصنوعاً صورة مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من أسفل وما فى
الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأنى أنا الرب الهك اله غيور , أفتقد
ذنوب الأباء فى الأبناء وفى الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضوننى " ( تث
5: 6 - 9 ) .
" يارب
اسمك الى الدهر . يارب ذكرك الى دور فدور ... أصنام الأمم فضة وذهب عمل أيدى الناس
. لها أفواه ولا تتكلم . لها أعين ولا تبصر . لها آذان ولا تسمع . كذلك ليس فى
أفواهها نفس ... ( مز 135 : 13 - 19 ) .
" التفتوا
الى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا الله وليس آخر " ( اش 45: 22 ) .
" نعلم أن
ليس وثن فى العالم وليس اله آخر الا واحد . لأنه وان وجد ما يسمى آلهة , سواء كان
فى السماء أو على الأرض , كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون , لكن لنا اله واحد
الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن له . ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء
ونحن به " ( 1كو 8 : 4 - 6 ) .
" لأنه
يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح " ( 1تى 2 : 5
) .
" وهذه هى
الحياة الأبدية هى أن يعرفوك أنت الاله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى ارسلته
" ( يو 17 : 3 ) . أنظر :
1 - Cyril of Alex. John XI,5M.74,485.
2 - M.Basil.Contra Eunom.log.4M.29.705.
3 -
Athanas . Contra Arian . log.3,9 M.26.,a337
ان الوحدة بالنسبة
لله , يجب أن نميز فيها بين الوحدة العددية , والوحدة الفردية , ووحدة النوع .
واذا كان من الممكن أن ننسب الوحدة العددية والوحدة الفردية - مع بعض التحفظات - الى الألوهة , فان الوحدة النوعية لا يمكن بأى
حال من الأحوال أن تنسب الى الله ] [1 .
وبصفة مبدئية نقول :
الوحدة ضد
الكثرة , لأنها كون الشئ بحيث لا ينقسم , والكثرة كونه بحيث ينقسم . وتطلق
الوحدة على كل ما يطلق عليه الواحد لأنها صفة له فتقول : وحدة الأنا , ووحدة
العالم والوحدة أيضاً هى الوحدة ,فيقال مثلاً أن الوحدة أو الواحد أصغر الأعداد
وأن كل عدد لاحق يتألف من اضافة الواحد الى العدد السابق ] 2 [ .
وبالنسبة لله
عندما نتكلم عن الوحدة العددية , يجب أن
لا نغفل أن الوحدة العددية الحسابية تفترض كثرة
أخرى اذا أضيفت على الواحد نتج عنها تضاعف الواحد وتصيره كثرة أخرى ,
فمثلاً الرجل الواحد يقال عنه " واحد " أما بالنسبة لله فان الأمر
يختلف ذلك لأن الوحدة الالهية لا تفترض وجود آلهة أخرى ,
فهى عندما تطلق على الله , لا تقال عليه لتحدد وضعه بالنسبة لكائنات اخرى تشبهه ,
على نحو ما قلنا عن الرجل أنه " واحد " بالنسبة للرجال الآخرين . ولهذا
أكد القديس اكليمنضدس الاسكندرى ما تتميز به الوحدة فى الألوهة من سمو . أنظر :
Clement of
Alex. Paid. 1 , VIII 71, B.7,112 .
فالله واحد ,
ولكن ليس هناك من يماثله فى هذه الوحدة , على نحو ما نجد فى الوحدة العددية . وذات
الله لا تنقسم ولا تختلط بأى موجود آخر , فوحدته الالهية لا يشاركه فيها أحد وهى
وحدها التى يمكن أن تسمى بالوحدة الالهية .
وعندما نتكلم عن
الوحدة الفردية , فمن الممكن أن ننسبها الى جوهر الله البسيط الواحد , مع مراعاة
أنها تشير الى الله باعتباره واحداً لا يتجزأ . فاذا نظرنا الى الله باعتباره
يتكون من مجموعة أجزاء - كما هو الحال
بالنسبة لكيان الانسان الواحد الذى يتكون من عدة أجزاء وأعضاء - فان الله فى هذه الحالة يكون مكوناً من أجزاء
غير متشابهة , ومن هذا الاختلاف والتغاير يتكون الكيان الكامل لله , على نحو ما
نجد عند الانسان , فان أعضاءه تختلف فيما
بينها فالبصر غير السمع , والسمع غير اليد . ومن هذه الأعضاء المختلفة الوظائف
يتكون جسد الانسان . ولكن الله لا جسم له
وهو غير محسوس وغير ملموس . وهذا هو ما علم به اويجينوس منبهاً أنه لا يجب أن ننظر الى الله كجسم , بل طبيعة عاقلة
نيرة لا تقبل اضافة شئ . وليس فيه ما هو أكبر أو أصغر . وهو عقل تأخذ كل طبيعة منه بدايتها . والعقل لا يحتاج فى تحركاته
وعملياته الى مكان ولا الى شئ آخر من خصائص المادة . هذا الموضوع من مدونة ايماننا الاقدس : http://eman-aqdass.blogspot.com.eg/
Origen : De princepiis 1 , 1 , 16
كذلك يلاحظ أن
هذه الوحدة الألهية ليست هى صفة الهية مثل الصفات الأخرى ( كالقداسة والكمال )
ولكنها شرط مطلق للوجود الالهى , حتى أنه فيما يلاحظ القديس أثناسيوس , ان القول
بآلهة كثيرة هو فى نفس الوقت قول بعدم
الألوهة .
يقول القديس
اثناسيوس فى الفصل الثامن والعشرين من رسالته الى الوثنيين :
كيف يمكن أن
تكون هذه الأشياء آلهة وهى مفتقرة الى مساعدة بعضها البعض , وكيف يليق أن نسأل
منها أى شئ اذا كانت هى أيضاً تطلب المساعدة لنفسها بعضها من بعض ؟ لأن الحقيقة المسلم بها عن الله أنه
ليس فى حاجة الى أى شئ بل معتمد على ذاته مستقل بذاته ومنه تستمد كل الأشياء
كيانها وهو يخدم الكل قبلما يخدمه الكل . فكيف يجوز أن ندعو الشمس الهاً والقمر
وسائر أجزاء الخليقة التى ليست من الآلهة بل هى مفتقرة لمعونة بعضها البعض . ويقول
أيضاً فى الفصل التاسع والعشرين من نفس الرسالة :
ان كان ما قيل
عن الله حقيقياً , أى قادر على كل شئ , وأنه لا سلطان لأى شئ عليه بل له السلطان
والسيادة على الكل فكيف عجز أولئك الذين يؤلهون الخليقة عن أنها لا تستوفى هذا
الوصف عن الله ؟ لأنه حينما تكون الشمس تحت الأرض فان ظل الأرض يجعل نورها غير
منظور , بينما فى النهار تحجب الشمس القمر بشد ضيائها . والصقيع كثيراً ما أضر
ثمار الأرض . والنار تطفأ بغزير المياه , والربيع يلزم الشتاء بأن يفسح له المجال
بينما الصيف لا يسمح للربيع بأن يتعدى حدوده , وهو بدوره يمنعه الخريف من أن يتعدى
أوانه . اذن فان كانت آلهة لوجب أن لا يقهر أو يحجب بعضها بعضاً .
Athanas . Contra Hellen. 28, 29, M. 25 , 56 , 57 .
فاذا لم يكن
الله واحداً فقط , فان الله لا يكون , فيما يقول ترتليانوس ] 3 [ .
Tertull : Adver. Masc. 1, 3, M. 2, 274.
ان الأدلة على
أن الله واحد . تعتمد بالأكثر على معنى الكمال المطلق الذى ينسب الى الله , والذى
لا يمكن أن يكون غير واحد ويكون غير منقسم :
أ - فاذا أخذنا بالقول بعدة آلهة , فاننا نفترض
اختلافاً بينها , ذلك لأنه اذا لم يكن هناك أى اختلاف بينها , تكون بلا شك الهاً
واحداً وليس آلهة كثيرة . واذا وجد اختلاف بينها , فاين هو الكمال ؟
Damas, Mnm. A,5,M.94, 801.
ب - لذلك فان نظام العالم واتساق قوانينه , يفترض
وجود اله واحد . فاذا وجد أكثر من اله فى العالم , فكيف يسود نظام واحد فى العالم
؟
1 - Athanas
. Contra Hellen. 38,M.25,76
2 - Justin , Horatory address to the Greeks, 17 B.4,27.
ج - كذلك فان عدم وجود عوالم كثيرة مختلفة منفصلة
بعضها عن بعض , بل عالم واحد , يؤكد وجود اله واحد , لأنه لو وجد آلهة كثيرون فقد
كان لابد أن توجد عوالم كثيرة . لأنه كيف نفسر أن الألهة الكثيرة تخلق عالماً
واحداً , الا اذا كان بسبب ما يمكن أن ينسب اليها من الضعف .
ويقدم الاسقف
ايسيذورس فى بيان وحدة ذات الله الأدلة التالية :
البرهان الأول : انما يستدل على الخفى
بالظاهر , وعلى المؤثر بالأثر وعلى الفاعل بفعله . والظاهر لنا أن هذا العالم واحد
لأنه مرتبط بنظام واحد فيلزم أن يكون الذى خلقه ونظمه واحداً فقط .
البرهان الثانى : من الضرورى
أن تقف معلولات العالم الممكنة عند حد علة أولى موجبة لا أول لها , والا لوجب فى
سلسلة هذه المعلولات التسلسل وذهبت بلا نهاية . فالبرهان الذى يدل على أن العالم
مصنوع يدل أيضاً على أن صانعه واحد .
البرهان الثالث : اذا قدر وجود
صانعين لهذا فيكونان أما متساويين بالقوة أو مختلفين بمعنى يكون أحدهم أقوى من الثانى
. فان تساويا منع أحدهما الآخر من الفعل , وان اختلفا منع القوى الأضعف من الفعل أيضاً , فعلى الحالين لا يمكن أن يكون صانع هذا
العالم أكثر من واحد .
البرهان الرابع : اذا قدر وجود
الهين فيلزم أن نقدر وجودهما منذ الأزل ويلزم أن نقدر وجود كل منهما فى مكان أزلى
وبينهما خلاء أزلى , ويثبت بذلك وجود خمسة أشياء أزلية وكل ذلك من الشناعات
والمحالات .
البرهان الخامس : اذا شغل اله
مكاناً لا يشغله الاله الاخر دل ذلك على أن ذات كل منهما محيزة , والذات المحيزة
ممكنة وحديثة وبالتالى غير الهية .
(
المطالب النظرية - صـ 109 - 110 )
---------------------------
( 1 ) النوع فى
اصطلاح المناطقة هو الكلى المعقول على كثيرين مختلفيين بالعدد , فى جواب ما هو ,
كالانسان لمتى ومرقس ويوحنا وغيرهم . وقيل أنه المعنى المشترك بين كثيرين . فبنسبة
الوحدة النوعية لله تعنى أن هناك أفراداً
آخرين يشتركون مع الله فى الوحدة فبين الله وبين هؤلاء الافراد توجد صفات مشتركة . وهذا بلا شك يناقض الوحدة
الالهية المطلقة , ويعنى أن الله ليس واحداً .
( 2 ) جميل
صليبا : المعجم الفلسفى - المجلد الثانى
صـ 567 - 568 .
( 3 ) Deus Sinon
unus est , non est .روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |