الجمعة، 8 أبريل 2016

الوحدة الالهية المطلقة



الوحدة الالهية المطلقة ( الله الواحد المطلق ) :
ان المعنى  الحقيقى للألوهة يقود بالطبيعة الى الايمان بوجود اله واحد . وعلى الدوام يؤكد الكتاب المقدس هذه الحقيقة ويرفض آلهة الأمم . ومن الأمثلة على ذلك :



" انك قد رأيت لتعلم أن الرب هو الاله . ليس آخر سواه " ( تث 4 : 35 ) " أنا هو الرب الهك الذى أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية . لا يكن لك آلهة أخرى أمامى . لا تصنع لك تمثالاً مصنوعاً صورة مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من أسفل وما فى الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأنى أنا الرب الهك اله غيور , أفتقد ذنوب الأباء فى الأبناء وفى الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضوننى " ( تث 5: 6 -  9 ) .
" يارب اسمك الى الدهر . يارب ذكرك الى دور فدور ... أصنام الأمم فضة وذهب عمل أيدى الناس . لها أفواه ولا تتكلم . لها أعين ولا تبصر . لها آذان ولا تسمع . كذلك ليس فى أفواهها نفس ... ( مز 135 : 13 -  19 ) .
" التفتوا الى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا الله وليس آخر " ( اش 45: 22 ) .
" نعلم أن ليس وثن فى العالم وليس اله آخر الا واحد . لأنه وان وجد ما يسمى آلهة , سواء كان فى السماء أو على الأرض , كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون , لكن لنا اله واحد الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن له . ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به " ( 1كو 8 : 4 -  6 ) .
" لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح " ( 1تى 2 : 5 ) .
" وهذه هى الحياة الأبدية هى أن يعرفوك أنت الاله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى ارسلته " ( يو 17 : 3 ) . أنظر :
1 -  Cyril of Alex. John XI,5M.74,485.
2  - M.Basil.Contra Eunom.log.4M.29.705.
3 -  Athanas . Contra Arian . log.3,9 M.26.,a337

ان الوحدة بالنسبة لله , يجب أن نميز فيها بين الوحدة العددية , والوحدة الفردية , ووحدة النوع . واذا كان من الممكن أن ننسب الوحدة العددية والوحدة الفردية -  مع بعض التحفظات -  الى الألوهة , فان الوحدة النوعية لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تنسب الى الله ] [1 .
وبصفة مبدئية نقول :
الوحدة ضد الكثرة , لأنها كون الشئ  بحيث  لا ينقسم , والكثرة كونه بحيث ينقسم . وتطلق الوحدة على كل ما يطلق عليه الواحد لأنها صفة له فتقول : وحدة الأنا , ووحدة العالم والوحدة أيضاً هى الوحدة ,فيقال مثلاً أن الوحدة أو الواحد أصغر الأعداد وأن كل عدد لاحق يتألف من اضافة الواحد الى العدد السابق ] 2 [ .
وبالنسبة لله عندما نتكلم عن الوحدة العددية , يجب  أن لا نغفل أن الوحدة العددية الحسابية تفترض كثرة  أخرى اذا أضيفت على الواحد نتج عنها تضاعف الواحد وتصيره كثرة أخرى , فمثلاً الرجل الواحد يقال عنه " واحد " أما بالنسبة لله فان الأمر يختلف  ذلك  لأن الوحدة الالهية لا تفترض وجود آلهة أخرى , فهى عندما تطلق على الله , لا تقال عليه لتحدد وضعه بالنسبة لكائنات اخرى تشبهه , على نحو ما قلنا عن الرجل أنه " واحد " بالنسبة للرجال الآخرين . ولهذا أكد القديس اكليمنضدس الاسكندرى ما تتميز به الوحدة فى الألوهة من سمو . أنظر :
Clement  of  Alex.  Paid. 1 , VIII  71, B.7,112 .
فالله واحد , ولكن ليس هناك من يماثله فى هذه الوحدة , على نحو ما نجد فى الوحدة العددية . وذات الله لا تنقسم ولا تختلط بأى موجود آخر , فوحدته الالهية لا يشاركه فيها أحد وهى وحدها التى يمكن أن تسمى بالوحدة الالهية .
وعندما نتكلم عن الوحدة الفردية , فمن الممكن أن ننسبها الى جوهر الله البسيط الواحد , مع مراعاة أنها تشير الى الله باعتباره واحداً لا يتجزأ . فاذا نظرنا الى الله باعتباره يتكون من مجموعة أجزاء -  كما هو الحال بالنسبة لكيان الانسان الواحد الذى يتكون من عدة أجزاء وأعضاء -  فان الله فى هذه الحالة يكون مكوناً من أجزاء غير متشابهة , ومن هذا الاختلاف والتغاير يتكون الكيان الكامل لله , على نحو ما نجد عند  الانسان , فان أعضاءه تختلف فيما بينها فالبصر غير السمع , والسمع غير اليد . ومن هذه الأعضاء المختلفة الوظائف يتكون  جسد الانسان . ولكن الله لا جسم له وهو غير محسوس وغير ملموس . وهذا هو ما علم به اويجينوس منبهاً أنه  لا يجب أن ننظر الى الله كجسم , بل طبيعة عاقلة نيرة لا تقبل اضافة شئ . وليس فيه ما هو أكبر أو أصغر . وهو عقل تأخذ كل طبيعة  منه بدايتها . والعقل لا يحتاج فى تحركاته وعملياته الى مكان ولا الى شئ آخر من خصائص المادة .  هذا الموضوع من مدونة ايماننا الاقدس  :  http://eman-aqdass.blogspot.com.eg/

Origen : De princepiis 1 , 1 , 16
كذلك يلاحظ أن هذه الوحدة الألهية ليست هى صفة الهية مثل الصفات الأخرى ( كالقداسة والكمال ) ولكنها شرط مطلق للوجود الالهى , حتى أنه فيما يلاحظ القديس أثناسيوس , ان القول بآلهة كثيرة  هو فى نفس الوقت قول بعدم الألوهة .
يقول القديس اثناسيوس فى الفصل الثامن والعشرين من رسالته الى الوثنيين :
كيف يمكن أن تكون هذه الأشياء آلهة وهى مفتقرة الى مساعدة بعضها البعض , وكيف يليق أن نسأل منها أى شئ اذا كانت هى أيضاً تطلب المساعدة لنفسها بعضها  من بعض ؟ لأن الحقيقة المسلم بها عن الله أنه ليس فى حاجة الى أى شئ بل معتمد على ذاته مستقل بذاته ومنه تستمد كل الأشياء كيانها وهو يخدم الكل قبلما يخدمه الكل . فكيف يجوز أن ندعو الشمس الهاً والقمر وسائر أجزاء الخليقة التى ليست من الآلهة بل هى مفتقرة لمعونة بعضها البعض . ويقول أيضاً فى الفصل التاسع والعشرين من نفس الرسالة :
ان كان ما قيل عن الله حقيقياً , أى قادر على كل شئ , وأنه لا سلطان لأى شئ عليه بل له السلطان والسيادة على الكل فكيف عجز أولئك الذين يؤلهون الخليقة عن أنها لا تستوفى هذا الوصف عن الله ؟ لأنه حينما تكون الشمس تحت الأرض فان ظل الأرض يجعل نورها غير منظور , بينما فى النهار تحجب الشمس القمر بشد ضيائها . والصقيع كثيراً ما أضر ثمار الأرض . والنار تطفأ بغزير المياه , والربيع يلزم الشتاء بأن يفسح له المجال بينما الصيف لا يسمح للربيع بأن يتعدى حدوده , وهو بدوره يمنعه الخريف من أن يتعدى أوانه . اذن فان كانت آلهة لوجب أن لا يقهر أو يحجب بعضها بعضاً .
Athanas . Contra Hellen. 28, 29, M. 25 , 56 , 57 .
فاذا لم يكن الله واحداً فقط , فان الله لا يكون , فيما يقول ترتليانوس ]  3 [ .
Tertull : Adver. Masc. 1, 3, M. 2, 274.
ان الأدلة على أن الله واحد . تعتمد بالأكثر على معنى الكمال المطلق الذى ينسب الى الله , والذى لا يمكن أن يكون غير واحد ويكون غير منقسم :
أ -  فاذا أخذنا بالقول بعدة آلهة , فاننا نفترض اختلافاً بينها , ذلك لأنه اذا لم يكن هناك أى اختلاف بينها , تكون بلا شك الهاً واحداً وليس آلهة كثيرة . واذا وجد اختلاف بينها , فاين هو الكمال ؟
Damas, Mnm. A,5,M.94, 801.
ب -  لذلك فان نظام العالم واتساق قوانينه , يفترض وجود اله واحد . فاذا وجد أكثر من اله فى العالم , فكيف يسود نظام واحد فى العالم ؟
1 -  Athanas . Contra Hellen. 38,M.25,76
2 -  Justin , Horatory  address to the Greeks, 17 B.4,27.
ج -  كذلك فان عدم وجود عوالم كثيرة مختلفة منفصلة بعضها عن بعض , بل عالم واحد , يؤكد وجود اله واحد , لأنه لو وجد آلهة كثيرون فقد كان لابد أن توجد عوالم كثيرة . لأنه كيف نفسر أن الألهة الكثيرة تخلق عالماً واحداً , الا اذا كان بسبب ما يمكن أن ينسب اليها من الضعف .
ويقدم الاسقف ايسيذورس فى بيان وحدة ذات الله الأدلة التالية :
البرهان الأول : انما يستدل على الخفى بالظاهر , وعلى المؤثر بالأثر وعلى الفاعل بفعله . والظاهر لنا أن هذا العالم واحد لأنه مرتبط بنظام واحد فيلزم أن يكون الذى خلقه ونظمه واحداً فقط .
البرهان الثانى : من الضرورى أن تقف معلولات العالم الممكنة عند حد علة أولى موجبة لا أول لها , والا لوجب فى سلسلة هذه المعلولات التسلسل وذهبت بلا نهاية . فالبرهان الذى يدل على أن العالم مصنوع يدل أيضاً على أن صانعه واحد .
البرهان الثالث : اذا قدر وجود صانعين لهذا فيكونان أما متساويين بالقوة أو مختلفين بمعنى يكون أحدهم أقوى من الثانى . فان تساويا منع أحدهما الآخر من الفعل , وان اختلفا منع القوى الأضعف من الفعل أيضاً  , فعلى الحالين لا يمكن أن يكون صانع هذا العالم أكثر من واحد .
البرهان الرابع : اذا قدر وجود الهين فيلزم أن نقدر وجودهما منذ الأزل ويلزم أن نقدر وجود كل منهما فى مكان أزلى وبينهما خلاء أزلى , ويثبت بذلك وجود خمسة أشياء أزلية وكل ذلك من الشناعات والمحالات .
البرهان الخامس : اذا شغل اله مكاناً لا يشغله الاله الاخر دل ذلك على أن ذات كل منهما محيزة , والذات المحيزة ممكنة وحديثة وبالتالى غير الهية .
( المطالب النظرية -  صـ 109 -  110 )
---------------------------  
( 1 ) النوع فى اصطلاح المناطقة هو الكلى المعقول على كثيرين مختلفيين بالعدد , فى جواب ما هو , كالانسان لمتى ومرقس ويوحنا وغيرهم . وقيل أنه المعنى المشترك بين كثيرين . فبنسبة الوحدة النوعية لله تعنى أن هناك أفراداً   آخرين يشتركون مع الله فى الوحدة فبين الله وبين هؤلاء الافراد  توجد صفات مشتركة . وهذا بلا شك يناقض الوحدة الالهية المطلقة , ويعنى أن الله ليس واحداً .
( 2 ) جميل صليبا : المعجم الفلسفى -  المجلد الثانى صـ 567 -  568 .
(  3 ) Deus  Sinon  unus est , non  est .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق