حول صفات الله وتصنيفها
ان النور الرائع الأبدى البسيط وغير المركب , لكمال الله المطلق وغير
المحدود يسقط على أعين عقولنا وأذهاننا البشرية , ويتحلل الى ألوان مختلفة من خلال
ادراكنا الضعيف المحدود . واذا كان الله فى جوهره و طبيعته يفوق كل فكر ولا يمكن
ادراكه , فاننا فقط من خلال أعماله المختلفة المتجهة الى الخارج , نأخذ معرفة
ضرورية لخلاصنا .
ونحن ننسب الى الله صفات كثيرة بقدر ما يعبر عن علاقاته
بالعالم الخارجى . ومهما كنا نميز بين هذه الصفات المختلفة المتجهة الى الخارج .
ومهما كنا نميز بين هذه الصفات المختلفة , فاننا يجب الا نغفل أن جوهر الله بسيط
بساطة مطلقة . على أن هذا
التمييز ليس هو مجرد ادراك وهمى لعقولنا , بل له أساس فى الحقيقة الالهية .
والواقع أنه من
غير الممكن أن نتجنب هذا الادراك الانسانى لعلاقات الله مع هذا العالم المحدود
والانسان . ان معرفتنا بكمال الله لابد أن تتم بالمقارنة مع ادراكاتنا الحسية ,
بمعنى اننا بالنظر الى العالم
المحسوس ننتهى بالقول بوجود الله كعلة لهذا العالم , ونعطى لهذه
العلة ( الله ) كل صفات الخير بدرجة أسمى مما توجد فى الخليقة . وبالاضافة الى هذا
فاننا نسلب عن الله كل صفة من صفات غير الكمال التى نكتشفها فى الخليقة . وعلى هذا النحو ننتهى الى تحديد صفات الله . ونحن نفصل بين هذه الصفات ليس
لأنها تنفصل موضوعياً بل بسبب محدودية العقل البشرى وبسبب الحاجة الى الدراسة والى
التنظيم العقلى .
ماذا نقصد عندما نقول صفات " أو أسماء " الله
؟
نقصد بالصفات ,
الخواص التى تميز الموجود عن غيره من الموجودات , وتعطيه أن يكون ما هو عليه .
وعلى ذلك فصفات الله نقصد بها ما يخص الله وما يميزه عن سائر الكائنات , ويسميها
القديس بطرس فضائل الله ( 1 ) , وهى أيضاً كمالات الطبيعة الألهية التى يتميز بها
جوهر الله البسيط غير المركب عن العالم الخارج
عنه والتى بها يظهر الله الكائن الكامل غير المحدود .
ولقد ذكرنا أن
جوهر الله لا يمكن ادراكه ادراكاً كاملاً . وعلى ذلك فاننا نتحدث عن صفات الله
فاننا يجب أن لا ننسى أنه لا توجد صفة أو اسم يمكن أن يعبر تعبيراً كاملاً عن
الطبيعة الألهية بحيث يمكن أن يعطينا هذا الاسم معرفة بكل ما يخص الجوهر الالهى .
ان ما تعطيه لنا
صفات الله وأسماؤه , بما فى ذلك , ما ورد منها فى الكتاب المقدس , ليس هو المعرفة
الكاملة للطبيعة الألهية , ولكن شيئاً ما حول هذه الطبيعة . فالله من حيث طبيعته
يفوق كل ادراك ويعلو كل فهم . أنظر :
1 - Greg of Nyz . Contra Eunom. XII,M.45,957, about not
being three Gods, M.45,121
ان الكثير من
الصفات ( أو الأسماء ) تشير الى ما لا يكون عليه الله ( أى ماهو ) بل الى ما لا
يكون عليه ( أى ما ليس هو ) . ومن أمثلة هذه الصفات : عديم الغم ( alypos ) - بلا ارادة ( akakos ) بلا شر ( aponyros ) - غير مضطرب ( atarachos ) - غير حانق ( aorgytos ) عديم التأثر ( apathys ) - لا
عيب فيه ( anepilyptos ) - بلا جسم ( asomatos ) - غير
مولود ( agennytos ) - بلا بداية ( anarchos ) - لا يتغير (
analutos ) - لا يفنى ( aphtharos ) .
وبلا شك فان هذه
الصفات لا تعطينى ما تكون عليه الطبيعة الالهية , بل ما لا تكون عليه . انها لا
تتحدث عن الله ما هو , بل تتحدث عما ليس هو . أنظر :
1 - Greg of Nyz . Contra Eunom.
XII,M.45,957
2 – Gerg. Naz.log.28,9M.36,36.
3 – Cyil of Alex ., thys. Log.31M.75,452 .
اننا نقول أن
الله ليس هو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرين أو ثلاثين ولكن لا نقول انه
عشرة . أنظر : Greg. Naz. Ibid
على ان الصفات
أو الأسماء غير السلبية والتى لها معنى ايجابى ( مثل الصالح – البار - النور
- الحياة ) أيضاً لا تستوعب معنى
الطبيعة الالهية ولا تستطيع أن تقدم معرفة كاملة عن كنه الجوهر الالهى الكامل غير
المحدود , ولذلك نقول مع القديس باسيليوس الكبير :
ان أعمال الله هى دلالات على قوة الخالق وحكمته ولكن ليس على جوهره . بل
وأكثر من ذلك , فهى لا تدل على كمال قوة الله لأن الله فى خلقته لا يضع كل قوته فى
الخلقة . وكما اننا لا نستطيع من التأمل فى دار ما , أن ندرك جوهر البانى أو
قدراته وصفاته الاخرى , هكذا بالاحرى بالنسبة لله غير المحدود , فاننا لا نستطيع
أن ندرك عن طريق مخلوقاته جوهره الالهى أو نسبر غور أعماق صفاته . ان عقولنا
المحدودة تعجز عن أن تدرك عمق الصفات الألهية . نحن نعر مثلاً أن الله حكيم ولكننا
نجهل مقدار الحكمة التى يكون عليها الله . وهكذا الأمر بالنسبة للصفات الاخرى .
فنحن نعرف أن الله عظيم ولكننا نجهل مقدار هذه العظمة . ونحن نعرف أن الله حاضر فى
كل مكان , ولكننا نجهل كيفية هذا . لذلك يقول الرسول بولس " الآن أعرف بعض
المعرفة " ( 1كو 13: 12 ) . نحن اذن لا نعرف الله كما هو عليه , بل كما يمكن
لعقولنا المحدودة أن تعى وأن تسع . أنظر :
1 - M. Basil, Contra Eunom II.
32,M.29,648.
2 - Greg. Of Nyz . ( about not
being three Gods ) , M.45,121.
3 – Athanas. Nic. Syn.22,M.25,453.
4 – Chrys. , akatalypt. Log.A,5.
5 – Cyril of jer.Catech 6,2,M. 33.540.
صفات الله فى علاقتها ببساطة الجوهر الالهى
اذا كنا ننسب
الى الله صفات كثيرة عن طريقها يمكن أن نعرف شيئاً ما عن طبيعة الله وجوهره , فنحن
لا نغفل ولا ننسى أن جوهر الله بسيط غير مركب . وعلى ذلك فان هذه الصفات يجب أن لا
تمس مطلقاً بساطة الله , ولا يجب أن تقود الى فهم مركب لطبيعة الله , لاننا اذا
انتهينا الى الفهم بان هذه الصفات تؤدى الى تركيب فى طبيعة الله , فان هذا يعنى من
ناحية أن طبيعة الله طبيعة مركبة , ومن ناحية اخرى أن الطبيعة الالهية تتكون من
أجزاء مختلفة , لأن كل صفة من هذه الصفات تختلف عن الصفة الاخرى . أنظر :
M.Basil., Contra Eunom. Book 1,15,m.29.,546.
ويؤكد هذا القول أيضاً يوحنا الدمشقى
, فهو يرى أن هذه الصفات التى ننسبها الى الله ( مثل غير مخلوق - لا بداية له -
بل جسم - غير مائت – سرمدى - صالح -
خالق وغيرها ) لا يجب مطلقاً أن تؤخذ على أنها تشير الى اختلافات جوهره ,
والا فمعنى هذا أن الطبيعة الالهية التى تتكون من مثل هذه المكونات , ليست طبيعة
بسيطة بل مركبة . أنظر :
Damase.Mnum.A,9.94,936.
ويقول : وعليه
يجب أن نعتبر كل من المقولات فى الله , لا يشير الى ما هو من جوهره تعالى , لا يدل
على شئ من ذلك بل هو حالة تتعلق بما يتميز عنه أو هو شئ من توابع طبيعته ( يوحنا
الدمشقى : المائة مقالة فى الايمان الاورثوذكسى - ترجمة ادريانوس شكور - ص74 ).
اننا نسب الى
الله صفات كثيرة , ولكن يشير اثناسيوس الرسولى , ليس هناك نوعية فى الله لأن جوهر
الله بسيط . أنظر :
1 - Athanas
. Epistle to African Bishops. 8,M.26,1043 + Nic.Syn, 22, M.25,453.
2 - Greg . Naz. Log .28,7 , M.36,
33
ان هذه الأسماء
والصفات التى ننسبها الى الله , تعطى لله من قبلنا , ونحن نسمى الله أو نصفه
بانه وبار وضابط الكل , ليس لأن الله فى
ذاته مختلف , متغاير ومركب , بل هو واحد وبسيط ويرسل الأف الأفعال . ان جوهر الله
البسيط غير المركب وغير المنقسم وغير
المتغير , يعرف لدينا من خلال العلاقات والأفعال المختلفة ] 1 [ . وعلى
ذلك يمكننا أن نقول مع القديس باسيليوس الكبير , ان أفعال الله مختلفة ولكن جوهره
بسيط , واننا نعرف الله من خلال أفعاله , أما جوهره فاننا نقترب منه فقط ولكن لن
يكون فى متناول أيدينا . ان أفعال الله تنزل
الينا أما جوهره فأنه يتعذر الوصول الوصول اليه .
M.Basil Epistle 234,1.M.32,869.
جاء فى كتاب " رؤوس المعرفة " للشيخ
الروحانى :
الله "
الذى هو واحد وحده , ولا يفتش ولا يدرك ولا يفحص الى من كل ما خلق وأتى الى الكون
. واذ هو هكذا يفتش ويفحص بمكوناته , ليس أقول طبيعته , بل قوة أعماله , كمثل
الصانع , لا يرى لكن مهارة حكمته , كذلك أيضاً الله , ليست طبيعته ترى بل قوة
حكمته " " الله مفرز بالجوهر
ومفرز بالفعل . بالجوهر هو أيضاً من الكل
بعيد , وبالفعل أيضاً للكل قريب وللكل
يحيى . ان كان طبعه بعيد من الكل وفعله لاصق للكل , اذن قوته ماسكة الكل , ولكل
يحيى ولكل يقيت " .
القمص يوساب
السريانى : رؤوس المعرفة للشيخ الروحانى -
عن مخطوط رقم 184 نسكيات بدير السريان -
ص 1 , 39 .
بلا شك , فان
أعمال الله التى تتم نحو الخارج وفى زمن , تتميز عن جوهر الله . فاذا لم يكن هناك
هذا التمييز , فان معنى ذلك أن هذه الأفعال سرمدية ( أزلية أبدية ) أو هى مولودات
سرمدية من الطبيعة الالهية وتكون شبيهة بالله , وتكون الخليقة بلا بداية . وعلى
ذلك يجب أن نميز بين جوهر الله وبين أفعاله الخاصة بعلاقة الله بالعالم والانسان
والتى تتم فى زمن . ولكن من ناحية اخرى لا
يفتنا أن نؤكد أن أفعال الله التى تتم فى زمن , لا تدل على تغيير فى الله , لأنها
تدخل فى خطة الخلق السرمدية , ولأن تنفيذها فى زمن لا يحتاج الى تغيير فى طبيع
الله , كما سوف نشير الى ذلك فيما بعد .
والى جانب هذه الأفعال الخاصة بعلاقة الله بالعالم
وبالانسان, هناك أعمال الله الازليه , وهى الأفعال التى تظهر فى الحياة الداخلية
لله أو فى علاقة الله بنفسه , مثل ولادة الابن من الأب قبل كل الدهور , وانبثاق
الروح القدس من الآب , ومثل المعرفة التى تكون للأقانيم الثلاثة عن نفسها حسب قول
السيد المسيح " لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله " ( 1كو 2: 10 ) ,
ويدخل فى ذلك أيضاً معرفة الله الأزلية لذاته باعتباره الحق المطلق , وحبه الأزلى
باعتباره الخير المطلق , فلا يجب أن نتصور الله كائناً ساكناً بل هو كائن أزلى حى
فاعل .
فيجب اذن أن
نميز بين الأفعال الخارجية التى تتم فى زمن ( مثل فعل الخلق والعناية بالعالم
وتدبير شئونه وعمل الله الخلاصى ) وبين الأفعال الداخلية الأزلية التى تختص بالله
بينه وبين ذاته . وبينما نصف جوهر الله وفعله الخاص بذاته بالأزلية والأبدية (
السرمدية ) , فاننا نصف فعل الله المتصل بالعالم بالديمومة والاستمرار .
قد يبدو من
الصعب أن نجمع بين بساطة الجوهر الالهى , وبين ما ينسب لهذا الجوهر من صفات وأسماء
كثيرة , على أننا فى الواقع لا نتلف هذه البساطة فى الجوهر الالهى بسبب التمييز
بين صفات كثيرة . ان ما نحتاجه الآن هو محاولة فهم طبيعة هذه الصفات .
هذه الصفات
الكثيرة التى ننسبها الى الكمال الالهى ,
هى حسب الادراك . على أن هذا الادراك لا يرد فقط الى العقل الانسانى , وليس كذلك
هو ادراك كاذب , بل له اصوله فى حقيقة الوجود الالهى , ويشير الى علاقات حقيقية
والى أعمال الله .
M.Basil., Contra Eunom.Book,A.ch.5 + 7,M. 29,520,524.
وكما يلاحظ القديس كيرلس الأورشليمى
,
ان نسبة أسماء
أو صفات كثيرة الى الرب يسوع لا تغير من حقيقة أن الرب يسوع رب واحد وأننا نتكلم
عن ابن الله الوحيد لا عن أبناء كثيرين . فقد يلقب ابن الله بالباب أو الطريق أو
الحمل , وهذه جميعها تشير الى الأبن الوحيد وليس الى أبناء كثيرين . أنظر :
Cyril of Jer .Catech. 10,3,
M,33,661.
ويتحدث Owen عن الصفات الالهية فيقول :
ان التمييز بين
جوهر الله وبين صفاته , وكذلك التمييز بين هذه الصفات , لا يجئ من جانب الله ,
ولكن من جانب ادراكنا , ومن ناحية اخرى فان هذا التمييز لا يبنى على ادراكات وهمية
بل يقوم على اساس حقيقى , ذلك أن الجوهر الالهى يظهر ذاته فى أعماله حسب طرق
مختلفة ] 2 [ .
من بين القدماء
, فان الافنومانيين والاريوسيين , انكروا كل تمييز بين صفات الله وجوهره , باعتبار
أن أى تمييز - وحتى هذا العقلى - لا يتناسب مع بساطة الله , واختصروا كل الأسماء
الى واحد فقط وهو " غير المولود " وزعموا أن جميع الأسماء مترادفة . لكن
الأباء تصدوا لهذه الاراء الخاطئة مبينين أن الكتاب المقدس ليس عبثاً يشير الى
أسماء وصفات كثيرة للطبيعة الالهية فيسمى الله : القاضى – البار - القوى – الطويل الاناة - الحقيقى -
وغير ذلك الكثير . وكل اسم فى هذه الاسماء يعبر عن معنى خاص .
Greg. Of Nys . contra Eunom
.12,1,M,45.1069 + 396.
ومن بين
المحدثين من يقول بما قال به الافنومانيون , وهم الذين يسمون بالاسميين Nominalism فهؤلاء
يؤكدون الترادف بين صفات الله الكثيرة أو بين اسماؤه ويعتبرون هذه الصفات أفكاراً
ذاتية عن الجوهر الالهى وليس لها مدلول
حقيقى بالنسبة لله .
وفى كتاب "
اللاهوت النظامى" للكنيسة البروتستانتية , جاء عن الصفات الالهية
ما يلى :
ان للجوهر
الالهى غير المحدود السرمدى غير المتغير صفات خاصة به معلنة فى الطبيعة والكتاب .
ومعرفته تعالى بدون تلك الصفات والفضائل الالهية مستحيلة لأنها ضرورية لطبيعة
اللاهوت فبدونها لا يكون الله . وهذه الصفات ظاهرة فى الكتاب المقدس وفى أعمال
الله وعنايته ولاسيما فى عمل الفداء , ولا يمكن انفصالها عن جوهر اللاهوت فاذا قلنا معرفة الله نعنى أن جوهر الله عارف
بكل أمر , واذا قلنا محبة الله نعنى أن جوهر اللاهوت محب . ولذلك صفات الله هى
أزلية سرمدية غير متغيرة كالله ذاته . ويجب أن نحذر فى اظهار النسبة بين صفات الله
وجوهره , بين نسبة صفاته بعضها الى البعض , من غلطين وهما التعبير عن الله كأنه
كائن مركب من أجزاء مختلفة , وجعل كل الصفات صفة واحدة ] 3 [ . وقد أخطأ البعض فى قوله أن
جودة الله هى الصفة الوحيدة عنده وكل ماسواها من الصفات الالهية انما هو اظهار
الجودة عن هيئات متنوعة ... وهو باطل ... ( 270 ) .
--------------------------
1 - Athanas in Arimin
35, M.26,753.
2 - ترمبلاس ( ب . ن ) : عقيدة الكنيسة
الاورثوذكسية الجامعة ( باللغة اليونانية ) -
أثينا - 1959 ( هامش )
3 - ص 236 -
237
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |