الأحد، 27 مارس 2016

أهداف التجسد



أولاً :  اتمام خطة الخلاص , وتوحيد السماويات بالأرضيات :
هكذا نزل الله الى العالم وصار انساناً , ورفع الانسان الى ملء اللاهوت , وصار مشاركاً للطبيعة الالهية , لأن الاتحاد بين الطبيعتين الالهية والبشرية كان قد تقرر فى مشورة الله الأزلية , ولأنه هو الهدف النهائى الذى لأجله خلق العالم , حتى أن البعض يقول : لو لم يخطئ الانسان الأول لكان المسيح على أى حال سيتجسد لكى يوحد الكائن المخلوق  مع الله فى ذاته . 



بولادة المسيح من العذراء أبطل كل الفوارق بين البشر ( غل 3 : 27 و 28 ) , وعلى الصليب وحد بين السمائيين والأرضيين , اذ : " جعل الاثنين واحداً , ونقض حائط السياج المتوسط " ( أف 2 : 14 ) , وبصعوده اخترق سماء السموات ماراً بكل الرتب الملائكية , ووحد السماء الروحية بالعالم المحسوس . وأخيراً , باعتباره آدم الثانى , أحضر الى الآب الكون كله فى وحدانية مجددة فيه , وذلك باعادته الخليقة لشركة قوية مع الخالق فيه . هذه هى خطة الله الفياضة بالرحمة نحو الانسان , والتى يسميها الآباء : تدبيرοικονομία  ( ايكونوميا ) الخلاص .
مشاركة المسيح لنا فى لحمنا ودمنا كان هدفه أن يقبل الموت لكى يبيد بموته عدو حياتنا : " فاذ قد تشارك الاولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما , لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت , أى ابليس " ( عب 2 : 14 ) . وهكذا كان هدف التجسد هو أن يغلب المسيح لنا الخطية والموت والشيطان . وهنا يقول القديس غريغوريوس النسيى :
] ان الرب بلاهوته المحجوب فى الطبيعة البشرية , بدون علم العدو , القى بنفسه داخل شباك ذاك الذى جعل الانسان تحت سيطرته لكى يخدعه ... حتى أن ذاك الذى خدع الانسان بعطم المسرات المحسوسة , يخدع هو نفسه بدوره بواسطة ظهور الهنا فى هيئة بشرية ... لأنه فى حين أن العدو قد خدعنا لاهلاك طبيعتنا , فان ذاك العادل والصالح والحكيم فى نفس الوقت , استعمل تدبيره الذى كان فيه خداع العدو , لأجل خلاص من كان هالكاً . وهكذا أنعم على الضال بتلك المنفعة .
وكما هو الحال مع الذين لأجل شفائهم يخضعون لمبضع الطبيب ومكواته ( أى العلاج بالكى ) , فبالرغم من أنهم يتضايقون من الأطباء ويفزعون من ألم الجراحة , الا أنهم اذا نالوا الشفاء وتلاشت الآم الجراحة أو الكى يشعرون بالعرفان وبالفضل للذين عالجوهم , هكذا أيضاً فان شر طبيعتنا الذى امتزج بها ونما بنموها , يطرح بعد زمان هذا مقداره , وعندما يتم اعادة المستعبدين للخطية الى حالتهم الأولى بتجديدهم , يتفجر شكر من الخليقة كلها باتفاق واحد , وهكذا ينتفع البشر بكل بركات سر التجسد الالهى العظيم [ ( 1 ) .
ثانياً : مشاركة الانسان فى الطبيعة الالهية :
قال الرسول بطرس : " قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة , لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية " ( 2بط 1 : 4 ) . والقديس غريغوريوس النزينزى يقول :
]  ان ما يشتهيه الروحانيون عبر الأجيال هو أن تزود النفس بأجنحة لانقاذها من العالم واعادتها الى الله , وللاهتمام بتلك التى هى على صورة الله , والامساك بيدها ان كانت فى خطر , أو تجديدها اذا تحطمت , حتى تتهيأ لكى يحل المسيح فى قلبها بواسطة روح الله . وباختصار أن تؤله النفس ( أى تصير فى شركة مع الطبيعة الالهية ) , وتمنح النعيم السماوى لأنها تنتمى الى الخليقة السماوية . هذه هى غاية الناموس مؤدبنا ( الى المسيح ) والانبياء الذين توسطوا بين المسيح والناموس , كما كانت غاية المسيح الذى هو مكمل وهدف الناموس الروحى : "  رئيس الايمان ومكمله " ( عب 21 : 2 ) . هذه هى قصة الوحدة بين الله والانسان : " عظيم هو سر التقوى : الله ظهر فى الجسد " ( 1تى 3 : 16 ) : الواحد من طبيعتين وكلاهما فى واحد ( 2 ) [ ( 3 ) .
ثالثاً : تجديد صورة الله التى تشوهت فى الانسان بواسطة صورة الله الحقيقى ( المسيح ) :
يقول القديس بولس : " الذى هو صورة الله غير المنظور , بكر كل خليقة . فان فيه خلق الكل ... وهو رأس الجسد : الكنيسة ... لأن فيه سر أن يحل كل الملء , وأن يصالح به الكل لنفسه " ( كو 1 : 15 – 20 )  . ان القصد الالهى من كون الانسان على صورة الله التى فشل فى الاحتفاظ بها , قد تحقق فى المسيح , الذى وهو صورة الله غير المنظور , أعلن ذاته فى عالم الانسان بتجسده فى ملء الزمان . ان وجود المسيح فى العالم وحضوره فى الكنيسة انما هو استعلان لسر القصد الالهى الذى كان مكتوماً : " السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال , لكنه الأن قد اظهر لقديسيه , الذين أراد الله أن يعرفهم  ما هو غنى مجد هذا السر فى الأمم , الذى هو : المسيح فيكم رجاء المجد . " ( كو 1 : 26 -  27 )
لقد تجسد الرب لكى يبشرنا بهذه البركات كلها ويمنحنا اياها , كما قال : " ينبغى لى أن أبشر ... بملكوت الله , لأنى لهذا قد أرسلت " ( لو 4 : 43 ) , وطوبى لمن يقبل هذه البشرى وتنطبع فيه سمات الرب المتجسد : " أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيا " ( غل 2 : 20 ) , ويبشر بكم صنع به الرب ورحمه , لأنه : " ويل لى ان كنت لا ابشر . " ( 1كو 9 : 16 ) .
ونختم هذا البحث بكلمات لحن " ايبارثينوس " التى  نرتلها فى ليلة عيد الميلاد المجيد :
] اليوم البتول تلد الفائق الجوهر , والأرض تقرب المغارة لغير المقترب اليه . الملائكة مع الرعاه يمجدون , والمجوس مع الكوكب فى الطريق سائرون , لأن من اجلنا ولد صبى جديد , الاله الذى قبل الدهور [
--------------------------
( 1 ) The Great Catechism , Ch . XXVI.
( 2 ) الجملة الاخيرة تعتبر سيف ذى حدين ضد هرطقتين : هرطقة نسطور الذى فصل بين الطبيعتين الالهية والبشرية فى المسيح , وهرطقة أوطاخى الذى لاشى الطبيعة البشرية فى الطبيعة الالهية فى المسيح .
( 3 ) Oration II : 22, 24

روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق