الثلاثاء، 15 مارس 2016

الالقاب التى اطلقت على المؤمنين فى الكنيسة الاولى ودلالاتها الروحية



لم تكن لفظة " مسيحيين "  , التى تشير بوضوح الى الذين يتبعون المسيح , كجماعات أو كأفراد , معروفة بعد , فى السنوات الاولى من فجر المسيحية , عندما كانت الكنيسة تضع لبنتها الأولى . ولكن كان هناك بعض التسميات والالقاب التى استخدمت للأشارة اليهم , بعضها أطلقها المؤمنون أنفسهم , والبعض الأخر اطلقها عليهم اليهود أو الوثنيون , وهو الذى سنحاول أن نتناوله فى هذا المقال , لمحاولة معرفة اصل تلك الالقاب والدلالات الروحية التى تشير اليها .



الالقاب التى اطلقها غير المؤمنين على المسيحيين :
عندما بدأ الرسل فى الكرازة بالسيد المسيح فى أورشليم واليهودية , نظر اليهود الى هذه التعاليم الجديدة على أنها حركة دينية جديدة, وأطلقوا على التلاميذ الذين يتزعمون هذه الحركة اسم " الجليليين " (Γαλιλαιοι  ) . ولأن يسوع وأغلب الرسل الاثنى عشر كانوا من الجليل , كان من الطبيعى أن يلقب جميع من تبعوه بهذا الاسم , خاصة عندما ظهر لليهود أن هذه الحركة ليست يهودية خالصة . ولقد قنع بعض المفسرين بأن كلمة " جليلى " , التى أتى ذكرها فى ( لو 22 : 59 ) , هى مثال لاستخدام هذا اللقب , وان استخدامها فى ( أع 1 : 11 - ,  2 : 7 ) هو مجرد اشارة جغرافيا . ولكن من تلك الاشارات المؤكدة التى تشير الى المسيحيين بهذا اللقب , نجدها فى أعمال الفيلسوف الوثنى Epictetus  ( 50 م – 135 ) , الذى كان متأثراً باستشهاد المسيحيين لأجل ايمانهم . على أنه ليس من الواضح الى أى مدى كان لقب " جليلى " شائعاً فى ذلك الوقت , ولكن من الواضح أنه انتشر من اليهودية الى روما , حيث عاش Epictetus [ 1 [  .
أما اللقب الثانى الذى أطلقه اليهود على المؤمنين , فهو , " الناصريون " . لأن يسوع المسيح كان من  " الناصرة " , لذا كان معروفاً باسم يسوع الناصرى وكان من السهل انتقال هذا اللقب لتابعيه .  فالأستخدام المبكر لهذا اللقب نجده فى ( أع 24 : 5 ) حيث نجد خطيباً يهودياً اسمه ترتلس يقف أمام الوالى فيلكس الوالى فى قيصرية , متهماً بولس الرسول قائلاً : " فأننا اذ وجدنا هذا الرجل مفسداً ومهيجاً فتنة بين جميع اليهود الذين فى المسكونة ومقدام شيعة الناصريين (Ναζωραίων αιρέσεως  ) "  على أن كلمة " شيعة " هنا بمعنى " بدعة " أو " مذهب " ( انظر أع 28 : 22 ) . غير أن استخدام هذا اللقب بعد ذلك عن طريق المسيحيين أنفسهم , هو أمر مشكوك فيه , برغم أن هناك بعض الجماعات الغنوسية , التى ربما أطلقت على ذاتها اسم " الناصريين " . حتى أن أحد الكتابات المبكرة لمهم وهو أحد الأناجيل المنحولة التى كتبوها , يدعى " انجيل الناصريين " ] 2 [ .
وأيضاً من الالقاب التى دعيت المسيحية الناشئة  بها  , والتى أتى ذكرها فى سفر أعمال الرسل , لقب " الطريق " (οδος ) وهو الى حد ما امتداد لأستخدام قد وجد فى العهد القديم ( انظر أش 40 : 3 , 10 : 11 ) , حيث الرب يقود شعبه فى الطريق ] 3 [  . وفى الواقع يدرك المسيحيون أنهم قد وجدوا الطريق الحقيقى الذى لم يكن " مفتوحاً " حتى فى أيامهم ( عب 9 : 8 ) . فلم يعد الطريق بعد ذلك شريعة بل شخصاً هو يسوع المسيح نفسه , الذى قال عن نفسه " أنا هو الطريق " ( يو 14 : 6 ) . فالمسيحية ليس عقيدة نظرية , انها طريق كامل للحياة . هذا الطريق الجديد للحياة كان واضحاً لجميع الذين كانوا يحيطون بالمؤمنين , وللمؤمنين أنفسهم . لذلك من المرجح أن هذا هو اللقب الوحيد الذى استخدمه المسيحيون وغير المسيحيون على السواء لوصف هذا الايمان الجديد . هكذا نجد شاول الطرسوسى يأخذ من رئيس الكهنة رسائل الى الجماعات التى فى دمشق , " حتى اذا وجد اناساً من الطريق رجالاً ونساءاً يسوقهم موثقين الى اورشليم " ( أع 9 : 2 ) . وربما استخدم المسيحيون ذاتهم هذا اللقب  ليصفوا به أنفسهم , فنجد لوقا الرسول فى سفر أعمال الرسل يشير الى الايمان الجديد بلقب " الطريق " ( أع 19 : 23 , 9 , 24 : 22 ) . وايضاً بولس الرسول فى سفر الأعمال يستخدم نفس اللقب ( أع 22 : 4 , 24 : 14 ) . ويقول عنه بطرس الرسول فى رسالته الثانية :" اذا هم ينكرون الرب الذى اشتراهم , يجلبون على أنفسم هلاكاً سريعاً . وسيتبع كثيرين تهلكاتهم . الذين بسببهم يجدف على طريق الحق " ( 2بط 2 : 1, 2 ) . وفى نفس الاصحاح يصفه بالطريق المستقيم " ( 2 : 15 ) , و ( طريق البر " ( 2 : 21 ) . ورغم أن هذا الاسم كان مستخدماً فى القرن الاول بصفة اعتيادية , الا أن استخدامه كان قد ترك بعد ذلك بقليل .
وعندما وصلت الكرازة بالسيد المسيح مدينة انطاكية , بشر بالانجيل للأمم كما اليهود ( أع 11 : 19 , 20 ) , " ودعى التلاميذ مسيحيين (Χριστιανοί  ) فى انطاكية أولاً " ( أع 11 : 26 ) . ولكن بما أن اليهود ينكرون أن يسوع هو المسيح فلا يمكن أن يكونوا هم الذين أطلقوا هذا الاسم على أتباع يسوع الناصرى . فمن المرجح اذن أن يكون الوثنيون هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم , لتمييزهم عن اليهود [4]. والدليل على أن من قام بذلك لم يكن المسيحيون أنفسهم , هو عدم استخدام الرسل لهذا اللقب فى سفرالأعمال أو الرسائل غير ثلاث مرات فقط , وهذه الاستخدامات الثلاث  هى من وجهة نظر وثنية . فبجانب الاعلان عن بداية التسمية فى ( أع 11 : 26 ) , يرد هذا الاسم على لسان الملك اغريباس الوثنى بقوله لبولس الرسول " بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً "( أع 26 : 28 ) . أما المرة الثانية فيوردها بطرس الرسول فى رسالته الاولى قائلا" " فلا يتكلم أحدكم كقاتل , أو سارق , أو فاعل شر , أو متداخل فى أمور غيره . ولكن أن كان كمسيحى فلا يخجل , بل يمجد الله من هذا القبيل " ( 1بط 4 : 16 ) . فكان هذا الاسم يؤخذ على محمل التعيير , لذلك يقول : " ان عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم , لأن روح المجد والله يحل عليكم " ( 1بط 4 : 14 ) .
أما عن الاصل اللغوى لكلمة  "مسيحى " , فأن أغلب الدارسين يوافقون على أن تكون الاسم (Χριστιανός  )  , هو لاتينى فى الاصل )  Christianus ) , فهو التصريف الثانى للأسماء اللاتينية المذكرة التى وجدت فى اعمال Tacitus  , Suetonius ,  Pliny ( الصغير ) ]  5 [ . فمن التطبيقات الشائعة فى القرن الأول لتعريف الموالين لشخص ما , كان الحاق المقطع ( ianus ـ )  وفى الجمع ( iani ـ )  بنهاية اسم السيد أو القائد مثل  Ceasariani أى الموالين لقيصر . وقد طابقت الهلينية المبكرة هذا بطريقة متوازية فألحقت المقطع (ιανός ـ )  وفى الجمع (ιανοί ـ )  للاسم مثل الهيرودسيون (Ηρωδιανοί  )  أى الموالين لهيرودس ( انظر مت 22: 16 , مر 3: 6- 12 : 13 ) اذن فسواء كان أصل كلمة " مسيحى " هو اللاتينية أو اليونانية , فان هذه الكلمة كات تتكون من اسم المسيح (Χριστός  ) وتدل على الموالين للمسيح , الذين ينتمون اليه , والمخلصين له ] 6 [  .
وتظهر لفظة " مسيحيى " لأول مرة كتعريف شخصى , فى الديداخى ( 12 : 4 ) . واستخدمها أيضاً القديس أعناطيوس الانطاكى , كأسم شائع للجماعة المؤمنة فى نهاية القرن الأول وبداية الثانية ( أنظر الرسالة الى أفسس 11: 2 , مغنيسية 4 , بوليكاربوس 7 : 3 ) . وفى رسالته الى تراليا ( 6 : 1 ) , استخدم القديس أغناطيوس الأنطاكى اسم (  Χριστιανός  )  على أنه صفة . ومع منتصف القرن الثانى يلقب القديس بوليكاربوس نفسه " مسيحياً "  ( أنظر رسالته الى أفسس 10 : 1 , 12 : 11 ) , ولكن مع هذا ظل هذا الاسم قليل الاسخدام فى كتابات أباء الكنيسة الأولين , والسبب فى ذلك نكتشفه من رسالة الحاكم الرومانى بلينى الصغير الى الامبراطور تراجان ( 112م ) , حيث يقول ] هؤلاء المتهمون بالايمان بيسوع المسيح كانوا يسألون ان كانوا " مسيحيين " أم لا ؟ فان اعترفوا بالأسم كانوا يساقون للموت فى الحال , وان كانوا رومانيين كانوا يرسلون الى روما للمحاكمة [ (رسائل 10 : 96 ) ] 8 [ . ففى زمن الاضطهاد فى الكنيسة الأولى , كان استخدام هذا الاسم محفوفاً بالخطر , لأنه كان يعطى انطباعاً فى فكر الرومانيين على الايمان باله مقاوماً للامبراطور .
انتهى .. وسيكون موضوعنا القادم ان شاء الرب وعشنا بعنوان : الألقاب التى اطلقها المسيحيون للاشارة الى أنفسهم كجماعة .
---------------------------
[ 1] Elwel , Walter  A: Betizl , Barry J; Baker  Encyclopedia of the  Bible . Grand  Rapids , Mish ; Barker  Book   House , 1988 , vol . 1 , p 431 .
[  2 ] ibid . p 431 .
[3 ] Wood . D.R.W; New  Bible  Dictionary  . Inter Varsity  Press , 1996 , p 1233 .
[ 4 ] ( cf . Suetonius Nero 16 . 2 ; Lucian Alex 25; 28 ; Prger . 11 – 13 ; 16 ) Balz , Horst Robert ; Schneider , Gerhard : Exegetical Dictionary of the new Testaent  Grand Rapids , Mish : Erdans ; 1990 – 1993 , vol . 3 , p . 478 .
[ 5 ] Freedman , David Noel : The Anchor Bible Dictionary . New York Doubleday , 1996 , vol . 1, p 925 .
[ 6 ] ibid p 925 .
[ 7 ] Balz  , Horst  Robert  Robert ; Schneider , Gerhard : Exegetical Dictionary of the new Testaent  Grand Rapids , Mish : Erdans ; 1990 – 1993 , vol . 3 , p . 478 .
[ 8 ]   Freedman , David Noel : The Anchor Bible Dictionary . New York Doubleday , 1996 , vol . 1, p 926 .

روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق