لم تكن لفظة " مسيحيين " , التى تشير بوضوح الى الذين يتبعون المسيح ,
كجماعات أو كأفراد , معروفة بعد , فى السنوات الاولى من فجر المسيحية , عندما كانت
الكنيسة تضع لبنتها الأولى . ولكن كان هناك بعض التسميات والالقاب التى استخدمت
للأشارة اليهم , بعضها أطلقها المؤمنون أنفسهم , والبعض الأخر اطلقها عليهم اليهود
أو الوثنيون , وهو الذى سنحاول أن نتناوله فى هذا المقال , لمحاولة معرفة اصل تلك
الالقاب والدلالات الروحية التى تشير اليها .
الالقاب التى اطلقها غير المؤمنين على المسيحيين :
عندما
بدأ الرسل فى الكرازة بالسيد المسيح فى أورشليم واليهودية , نظر اليهود الى هذه
التعاليم الجديدة على أنها حركة دينية جديدة, وأطلقوا على التلاميذ الذين يتزعمون
هذه الحركة اسم " الجليليين " (Γαλιλαιοι ) . ولأن يسوع وأغلب الرسل الاثنى عشر كانوا من
الجليل , كان من الطبيعى أن يلقب جميع من تبعوه بهذا الاسم , خاصة عندما ظهر
لليهود أن هذه الحركة ليست يهودية خالصة . ولقد قنع بعض المفسرين بأن كلمة "
جليلى " , التى أتى ذكرها فى ( لو 22 : 59 ) , هى مثال لاستخدام هذا اللقب ,
وان استخدامها فى ( أع 1 : 11 - , 2 : 7 )
هو مجرد اشارة جغرافيا . ولكن من تلك الاشارات المؤكدة التى تشير الى المسيحيين
بهذا اللقب , نجدها فى أعمال الفيلسوف الوثنى Epictetus ( 50 م – 135 ) , الذى كان متأثراً باستشهاد
المسيحيين لأجل ايمانهم . على أنه ليس من الواضح الى أى مدى كان لقب " جليلى
" شائعاً فى ذلك الوقت , ولكن من الواضح أنه انتشر من اليهودية الى روما ,
حيث عاش Epictetus [ 1 [ .
أما اللقب الثانى الذى أطلقه اليهود على المؤمنين , فهو
, " الناصريون " . لأن يسوع
المسيح كان من " الناصرة " ,
لذا كان معروفاً باسم يسوع الناصرى وكان من السهل انتقال هذا اللقب لتابعيه . فالأستخدام المبكر لهذا اللقب نجده فى ( أع 24
: 5 ) حيث نجد خطيباً يهودياً اسمه ترتلس يقف أمام الوالى فيلكس الوالى فى قيصرية
, متهماً بولس الرسول قائلاً : " فأننا اذ وجدنا هذا الرجل مفسداً ومهيجاً
فتنة بين جميع اليهود الذين فى المسكونة ومقدام شيعة الناصريين (Ναζωραίων αιρέσεως ) "
على أن كلمة " شيعة " هنا بمعنى " بدعة " أو "
مذهب " ( انظر أع 28 : 22 ) . غير أن استخدام هذا اللقب بعد ذلك عن طريق
المسيحيين أنفسهم , هو أمر مشكوك فيه , برغم أن هناك بعض الجماعات الغنوسية , التى
ربما أطلقت على ذاتها اسم " الناصريين " . حتى أن أحد الكتابات المبكرة
لمهم وهو أحد الأناجيل المنحولة التى كتبوها , يدعى " انجيل الناصريين "
] 2 [ .
وأيضاً من الالقاب التى دعيت المسيحية الناشئة بها , والتى
أتى ذكرها فى سفر أعمال الرسل , لقب " الطريق " (οδος ) وهو الى حد ما امتداد لأستخدام قد وجد فى العهد القديم ( انظر أش 40 : 3 ,
10 : 11 ) , حيث الرب يقود شعبه فى الطريق ] 3 [ . وفى الواقع يدرك المسيحيون أنهم قد وجدوا
الطريق الحقيقى الذى لم يكن " مفتوحاً " حتى فى أيامهم ( عب 9 : 8 ) .
فلم يعد الطريق بعد ذلك شريعة بل شخصاً هو يسوع المسيح نفسه , الذى قال عن نفسه
" أنا هو الطريق " ( يو 14 : 6 ) . فالمسيحية ليس عقيدة نظرية , انها طريق
كامل للحياة . هذا الطريق الجديد للحياة كان واضحاً لجميع الذين كانوا يحيطون
بالمؤمنين , وللمؤمنين أنفسهم . لذلك من المرجح أن هذا هو اللقب الوحيد الذى
استخدمه المسيحيون وغير المسيحيون على السواء لوصف هذا الايمان الجديد . هكذا نجد
شاول الطرسوسى يأخذ من رئيس الكهنة رسائل الى الجماعات التى فى دمشق , " حتى
اذا وجد اناساً من الطريق رجالاً ونساءاً يسوقهم موثقين الى اورشليم " ( أع 9
: 2 ) . وربما استخدم المسيحيون ذاتهم هذا اللقب
ليصفوا به أنفسهم , فنجد لوقا الرسول فى سفر أعمال الرسل يشير الى الايمان
الجديد بلقب " الطريق " ( أع 19 : 23 , 9 , 24 : 22 ) . وايضاً بولس
الرسول فى سفر الأعمال يستخدم نفس اللقب ( أع 22 : 4 , 24 : 14 ) . ويقول عنه بطرس
الرسول فى رسالته الثانية :" اذا هم ينكرون الرب الذى اشتراهم , يجلبون على
أنفسم هلاكاً سريعاً . وسيتبع كثيرين تهلكاتهم . الذين بسببهم يجدف على طريق الحق
" ( 2بط 2 : 1, 2 ) . وفى نفس الاصحاح يصفه بالطريق المستقيم " ( 2 : 15
) , و ( طريق البر " ( 2 : 21 ) . ورغم أن هذا الاسم كان مستخدماً فى القرن
الاول بصفة اعتيادية , الا أن استخدامه كان قد ترك بعد ذلك بقليل .
وعندما وصلت الكرازة بالسيد المسيح مدينة انطاكية , بشر
بالانجيل للأمم كما اليهود ( أع 11 : 19 , 20 ) , " ودعى التلاميذ مسيحيين (Χριστιανοί ) فى انطاكية أولاً " ( أع 11 : 26 ) . ولكن بما أن اليهود ينكرون أن يسوع هو المسيح فلا يمكن أن
يكونوا هم الذين أطلقوا هذا الاسم على أتباع يسوع الناصرى . فمن المرجح اذن أن
يكون الوثنيون هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم , لتمييزهم عن اليهود [4]. والدليل على أن من قام بذلك لم يكن المسيحيون
أنفسهم , هو عدم استخدام الرسل لهذا اللقب فى سفرالأعمال أو الرسائل غير ثلاث مرات
فقط , وهذه الاستخدامات الثلاث هى من وجهة
نظر وثنية . فبجانب الاعلان عن بداية التسمية فى ( أع 11 : 26 ) , يرد هذا الاسم
على لسان الملك اغريباس الوثنى بقوله لبولس الرسول " بقليل تقنعنى أن أصير
مسيحياً "( أع 26 : 28 ) . أما المرة الثانية فيوردها بطرس الرسول فى رسالته
الاولى قائلا" " فلا يتكلم أحدكم كقاتل , أو سارق , أو فاعل شر , أو
متداخل فى أمور غيره . ولكن أن كان كمسيحى فلا يخجل , بل يمجد الله من هذا القبيل
" ( 1بط 4 : 16 ) . فكان هذا الاسم يؤخذ على محمل التعيير , لذلك يقول :
" ان عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم , لأن روح المجد والله يحل عليكم " (
1بط 4 : 14 ) .
أما عن
الاصل اللغوى لكلمة "مسيحى " ,
فأن أغلب الدارسين يوافقون على أن تكون الاسم (Χριστιανός ) , هو
لاتينى فى الاصل ) Christianus ) , فهو التصريف الثانى للأسماء اللاتينية المذكرة التى وجدت فى
اعمال Tacitus , Suetonius , Pliny ( الصغير ) ] 5 [ . فمن التطبيقات الشائعة فى القرن الأول لتعريف
الموالين لشخص ما , كان الحاق المقطع ( ianus ـ ) وفى الجمع ( iani ـ ) بنهاية اسم السيد أو القائد مثل Ceasariani أى الموالين لقيصر . وقد طابقت الهلينية المبكرة هذا
بطريقة متوازية فألحقت المقطع (ιανός ـ ) وفى الجمع (ιανοί ـ ) للاسم مثل الهيرودسيون (Ηρωδιανοί ) أى
الموالين لهيرودس ( انظر مت 22: 16 , مر 3: 6- 12 : 13 ) اذن فسواء كان أصل كلمة
" مسيحى " هو اللاتينية أو اليونانية , فان هذه الكلمة كات تتكون من اسم
المسيح (Χριστός ) وتدل على
الموالين للمسيح , الذين ينتمون اليه , والمخلصين له ] 6 [ .
وتظهر
لفظة " مسيحيى " لأول مرة كتعريف شخصى , فى الديداخى ( 12 : 4 ) .
واستخدمها أيضاً القديس أعناطيوس الانطاكى , كأسم شائع للجماعة المؤمنة فى نهاية
القرن الأول وبداية الثانية ( أنظر الرسالة الى أفسس 11: 2 , مغنيسية 4 ,
بوليكاربوس 7 : 3 ) . وفى رسالته الى تراليا ( 6 : 1 ) , استخدم القديس أغناطيوس
الأنطاكى اسم ( Χριστιανός ) على
أنه صفة . ومع منتصف القرن الثانى يلقب القديس بوليكاربوس نفسه " مسيحياً
" ( أنظر رسالته الى أفسس 10 : 1 ,
12 : 11 ) , ولكن مع هذا ظل هذا الاسم قليل الاسخدام فى كتابات أباء الكنيسة
الأولين , والسبب فى ذلك نكتشفه من رسالة الحاكم الرومانى بلينى الصغير الى
الامبراطور تراجان ( 112م ) , حيث يقول ] هؤلاء المتهمون بالايمان بيسوع المسيح كانوا يسألون ان كانوا
" مسيحيين " أم لا ؟ فان اعترفوا بالأسم كانوا يساقون للموت فى الحال ,
وان كانوا رومانيين كانوا يرسلون الى روما للمحاكمة [ (رسائل 10 : 96 ) ] 8 [ . ففى زمن الاضطهاد فى
الكنيسة الأولى , كان استخدام هذا الاسم محفوفاً بالخطر , لأنه كان يعطى انطباعاً
فى فكر الرومانيين على الايمان باله مقاوماً للامبراطور .
انتهى .. وسيكون موضوعنا القادم ان شاء الرب وعشنا
بعنوان : الألقاب التى اطلقها المسيحيون للاشارة الى أنفسهم كجماعة .
---------------------------
[ 1] Elwel , Walter
A: Betizl , Barry J; Baker
Encyclopedia of the Bible .
Grand Rapids , Mish ; Barker Book
House , 1988 , vol . 1 , p 431 .
[ 2 ] ibid . p 431 .
[3 ] Wood . D.R.W; New Bible Dictionary
. Inter Varsity Press , 1996 , p
1233 .
[ 4 ] ( cf . Suetonius Nero 16 . 2 ; Lucian Alex 25; 28 ; Prger . 11 –
13 ; 16 ) Balz , Horst Robert ; Schneider , Gerhard : Exegetical Dictionary of
the new Testaent Grand Rapids , Mish : Erdans
; 1990 – 1993 , vol . 3 , p . 478 .
[ 5 ] Freedman , David Noel : The Anchor Bible Dictionary . New York
Doubleday , 1996 , vol . 1, p 925 .
[ 6 ] ibid p 925 .
[ 7 ] Balz , Horst Robert
Robert ; Schneider , Gerhard : Exegetical Dictionary of the new
Testaent Grand Rapids , Mish : Erdans ;
1990 – 1993 , vol . 3 , p . 478 .
[ 8 ] Freedman , David Noel : The Anchor Bible
Dictionary . New York Doubleday , 1996 , vol . 1, p 926 .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |