الطبيعة البشرية التى اتحد بها اقنوم الابن كانت لها صفة الخلود وعدم الفساد التى كانت لآدم قبل أن يخطئ , ولكن المسيح أخضعها طواعية لحالة طبيعتنا الساقطة .
لقد أتخذ المسيح
كل ما هو بشرى فينا بعد السقوط خلواً من الخطية
أى طبيعتنا البشرية القابلة للآلم والموت . لقد صار الله الكامل ليس
انساناً فحسب , بل اتخذ أيضاً كل القيود والنقائص التى سببتها الخطية ما عدا
الخطية , وجاء الى العالم ليتعامل مع الخطية ويجعل الصلاح ممكناً , وليجعل للبشر
علاقة وفاق مع خالقهم , ولكى يفصح عن تلك المعرفة لله التى بدونها لا يمكن للانسان
أن تكون له حياة حقيقية :" أما أنا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل
( أى أفضل حياة ) "( يو 10 : 10 ) , " لكى تكون لكم اذا آمنتم حياة
باسمه "( 20 : 31 ) . اننا بدون الايمان بتجسد ابن الله لا يمكننا ان نؤمن
بالمسيح كفاد لنا .
ولد الرب يسوع
بانسكاب النعمة الالهية على العذراء :" سلام لك أيتها الممتلئة نعمة ... قد
وجدت نعمة عند الله "( لو 1 : 28 – 30 ) , وبحلول الروح القدس عليها :"
الروح القدس يحل عليك " ( لو 1:35 ) , " الذى حبلى به فيها هو من الروح
القدس " ( مت 1 : 20 ) , وبقوة الله التى ظللتها :" وقوة العلى تظللك ,
فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو 1:35) . وهكذا فان الرب
يسوع المسيح هو ابن الله بمفهوم فريد عن البنوة , وهو المسيا التى انتظرته الأجيال
السابقة , والمدبر الذى يرعى شعب اسرائيل ( مت 2:6 ) . لقد سمى فى انجيل القديس
متى " يسوع " أى " مخلص " :" لأنه يخلص شعبه من
خطاياهم"( مت 1: 21 ) , وفى انجيل القديس لوقا نجد أنه جاء لكى يخلص العالم
كله :" نور اعلان للأمم ومجداً لشعبك اسرائيل " ( لو 2 : 22 ) . واستشهاد القديس متى بنبوة اشعياء :" هوذا
العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره : الله معنا "(
متى 1 : 23 ) , يشير الى أن تجسد الرب كان
جزءاً من القصد الألهى الألى .
ويقول القديس
يوحنا ذهبى الفم بهذا الصدد :
] التجسد هو العقيدة الرئيسية فى تعاليم الكنيسة
, لأنها تتعلق بخلاصنا ... فبواسطة هذه العقيدة تحطم الموت , ورفعت الخطية , وزالت
اللعنة , وحصلنا على بركات لا تحصى لحياتنا . ولذلك فان الرب كانت تحدوه الرغبة فى
أن يؤمن الجميع بتدبيره الالهى , حيث أنه ينبوع كل تلك البركات [ ( 1 )
وبخصوص الآية
:" الكلمة صار جسداً " يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
] لماذ استعمل كلمة " صار " ؟ ذلك لكى
يرد مقدماً على الهراطقة , حيث أن البعض كان يقول أن التجسد كان فى الظاهر فقط
وبالرمز أو التمثيل , ولكى يؤكد على أن الجوهر الألهى لم يتغير , ولكنه اتخذ جسداً
حقيقياً . [ ( 2 )
ولماذا اختار
الانجيلى كلمة ( σαρξ ) = Flesh = التجسد , ولم يقل صار انساناً ؟ أنه اختيار
مقصود فيه حكمة وتعقل , لأن هذه الكلمة تعنى البشرية فى مظهرها المادى المحسوس .
وهكذا فان الوجود الجسدى للكلمة الألهى ( اللوغس ) بين البشر قد بدأ بالحياة
البشرية ليسوع الناصرى على الأرض , ولا زال الكلمة يفصح من خلال جسده عن النعمة
والحق والمجد . كما أن لفظ " الابن " يحتفظ به العهد الجديد كله , لأن
وجوده الدائم فى الآب كابن لله يصاحب وجوده الدائم معنا كابن للانسان .
كما أن انجيل
القديس يوحنا قصد أن يفرق بين ولادة المؤمنين من الله بالتبنى :" من الله
ولدوا " ( يو 1 : 13) , وبين ولادة ابن الله الوحيدة الفريدة :" ورأينا
مجده كمجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً "( يو 1 : 14 ) . وقد عبر
هذا الانجيل عن مجئ المسيح وتجسد النور الحقيقى وسط عالم الظلمة فى آيات عديدة
تفيد أن كل انسان عليه أن يقرر : اما أن يستجيب للايمان فيسعد الى الأبد بهذا
النور , واما أن يبقى فى ظلمة أبدية .
هكذا يقول
القديس اغريغوريوس النيسى :
] حيث أن
بشريتنا كانت فى ظلمة كما هو مكتوب :" لا يعلمون ولا يفهمون فى الظلمة يتمشون
" ( مز 82 : 5 ) , فان هذا الذى قد انار عالم الظلمة قد أطلق شعاع لاهوته الى
طبيعتنا بأكملها , مخلصاً النفس والجسد أيضاً . وهكذا تملك على البشرية تماماً
بواسطة نوره , ورفعها وجعلها فى نفس الحالة التى هو عليها [ ( 3 )
كما يقول القديس
امبروسيوس :
النور الحقيقى
جاء فى " شكل العبد " ولما أخلى ذاته كان النور موجوداً , لذلك قال
:" سيروا مادام لكم النور " ( يو 12 : 35 ) . ولما كان ميتاً لم يكن فى
ظل الموت , وحينئذ أيضاً سكب نور الحياة الأبدية على الذين كانوا فى السجن . لقد أشرق
نور الحكمة الحقيقى حتى فى الجحيم حيث أنار , ولكنه لم يغلق عليه فى الجحيم [ ( 4 )
ونحن نعبر عن
ذلك فى تسابيحنا قائلين :
] بظهوره أضاء علينا نحن الجلوس فى الظلمة وظلال
الموت , وقوم أرجلنا الى طريق السلام بشركة أسراره المقدسة . والذى فى بطنك يا
مريم أضاء لكل انسان وهو آت الى العالم , لأنه هو شمس البر , ولدته وهو شفانا من
خطايانا [ ( ثيؤطوكية الأحد )
وأيضاً نسبح فى
ثيؤطوكية الأحد قائلين :
] أنت هى
المنارة الحاملة النور الحقيقى الذى هو نور العالم الذى لا يدنى منه [
وفى ثيؤطوكية
السبت نقول :
] صرت سماء ثانية يا والدة الاله , لأنه أشرق لنا
منك شمس البر , بواسطك أيضاً صرنا مسكناً للروح القدس الذى حل عليك وقدسك [ .
---------------------
( 1 ) عظة 31 على شرح انجيل يوحنا
( 2 ) عظة 11 على شرح انجيل يوحنا
( 3 ) Letter XVII
( 4 ) سر تجسد الرب : 41
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |