الجمعة، 29 يناير 2016

الطبيعة البشرية التى اتحد بها اقنوم الكلمة


الطبيعة البشرية التى اتحد بها اقنوم الابن كانت لها صفة الخلود وعدم الفساد التى كانت لآدم قبل أن يخطئ , ولكن المسيح أخضعها طواعية لحالة طبيعتنا الساقطة .


لقد أتخذ المسيح كل ما هو بشرى فينا بعد السقوط خلواً من الخطية  أى طبيعتنا البشرية القابلة للآلم والموت . لقد صار الله الكامل ليس انساناً فحسب , بل اتخذ أيضاً كل القيود والنقائص التى سببتها الخطية ما عدا الخطية , وجاء الى العالم ليتعامل مع الخطية ويجعل الصلاح ممكناً , وليجعل للبشر علاقة وفاق مع خالقهم , ولكى يفصح عن تلك المعرفة لله التى بدونها لا يمكن للانسان أن تكون له حياة حقيقية :" أما أنا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل ( أى أفضل حياة ) "( يو 10 : 10 ) , " لكى تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه "( 20 : 31 ) . اننا بدون الايمان بتجسد ابن الله لا يمكننا ان نؤمن بالمسيح كفاد لنا .
ولد الرب يسوع بانسكاب النعمة الالهية على العذراء :" سلام لك أيتها الممتلئة نعمة ... قد وجدت نعمة عند الله "( لو 1 : 28 – 30 ) , وبحلول الروح القدس عليها :" الروح القدس يحل عليك " ( لو 1:35 ) , " الذى حبلى به فيها هو من الروح القدس " ( مت 1 : 20 ) , وبقوة الله التى ظللتها :" وقوة العلى تظللك , فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو 1:35) . وهكذا فان الرب يسوع المسيح هو ابن الله بمفهوم فريد عن البنوة , وهو المسيا التى انتظرته الأجيال السابقة , والمدبر الذى يرعى شعب اسرائيل ( مت 2:6 ) . لقد سمى فى انجيل القديس متى " يسوع " أى " مخلص " :" لأنه يخلص شعبه من خطاياهم"( مت 1: 21 ) , وفى انجيل القديس لوقا نجد أنه جاء لكى يخلص العالم كله :" نور اعلان للأمم ومجداً لشعبك اسرائيل " ( لو 2 : 22 )  . واستشهاد القديس متى بنبوة اشعياء :" هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره : الله معنا "( متى 1 : 23 ) , يشير الى أن تجسد الرب كان  جزءاً من القصد الألهى الألى .
ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم بهذا الصدد :
]  التجسد هو العقيدة الرئيسية فى تعاليم الكنيسة , لأنها تتعلق بخلاصنا ... فبواسطة هذه العقيدة تحطم الموت , ورفعت الخطية , وزالت اللعنة , وحصلنا على بركات لا تحصى لحياتنا . ولذلك فان الرب كانت تحدوه الرغبة فى أن يؤمن الجميع بتدبيره الالهى , حيث أنه ينبوع كل تلك البركات [  ( 1 )
وبخصوص الآية :" الكلمة صار جسداً " يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
]  لماذ استعمل كلمة " صار " ؟ ذلك لكى يرد مقدماً على الهراطقة , حيث أن البعض كان يقول أن التجسد كان فى الظاهر فقط وبالرمز أو التمثيل , ولكى يؤكد على أن الجوهر الألهى لم يتغير , ولكنه اتخذ جسداً حقيقياً . [ ( 2 )
ولماذا اختار الانجيلى كلمة (  σαρξ  ) = Flesh  = التجسد , ولم يقل صار انساناً ؟ أنه اختيار مقصود فيه حكمة وتعقل , لأن هذه الكلمة تعنى البشرية فى مظهرها المادى المحسوس . وهكذا فان الوجود الجسدى للكلمة الألهى ( اللوغس ) بين البشر قد بدأ بالحياة البشرية ليسوع الناصرى على الأرض , ولا زال الكلمة يفصح من خلال جسده عن النعمة والحق والمجد . كما أن لفظ " الابن " يحتفظ به العهد الجديد كله , لأن وجوده الدائم فى الآب كابن لله يصاحب وجوده الدائم معنا كابن للانسان .
كما أن انجيل القديس يوحنا قصد أن يفرق بين ولادة المؤمنين من الله بالتبنى :" من الله ولدوا " ( يو 1 : 13) , وبين ولادة ابن الله الوحيدة الفريدة :" ورأينا مجده كمجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً "( يو 1 : 14 ) . وقد عبر هذا الانجيل عن مجئ المسيح وتجسد النور الحقيقى وسط عالم الظلمة فى آيات عديدة تفيد أن كل انسان عليه أن يقرر : اما أن يستجيب للايمان فيسعد الى الأبد بهذا النور , واما أن يبقى فى ظلمة أبدية .
هكذا يقول القديس اغريغوريوس  النيسى :
] حيث أن بشريتنا كانت فى ظلمة كما هو مكتوب :" لا يعلمون ولا يفهمون فى الظلمة يتمشون " ( مز 82 : 5 ) , فان هذا الذى قد انار عالم الظلمة قد أطلق شعاع لاهوته الى طبيعتنا بأكملها , مخلصاً النفس والجسد أيضاً . وهكذا تملك على البشرية تماماً بواسطة نوره , ورفعها وجعلها فى نفس الحالة التى هو عليها [  ( 3 )
كما يقول القديس امبروسيوس :
النور الحقيقى جاء فى " شكل العبد " ولما أخلى ذاته كان النور موجوداً , لذلك قال :" سيروا مادام لكم النور " ( يو 12 : 35 ) . ولما كان ميتاً لم يكن فى ظل الموت , وحينئذ أيضاً سكب نور الحياة الأبدية على الذين كانوا فى السجن . لقد أشرق نور الحكمة الحقيقى حتى فى الجحيم حيث أنار , ولكنه لم يغلق عليه فى الجحيم [ ( 4 )
ونحن نعبر عن ذلك فى تسابيحنا  قائلين :
]  بظهوره أضاء علينا نحن الجلوس فى الظلمة وظلال الموت , وقوم أرجلنا الى طريق السلام بشركة أسراره المقدسة . والذى فى بطنك يا مريم أضاء لكل انسان وهو آت الى العالم , لأنه هو شمس البر , ولدته وهو شفانا من خطايانا [ ( ثيؤطوكية الأحد )
وأيضاً نسبح فى ثيؤطوكية الأحد قائلين :
] أنت هى المنارة الحاملة النور الحقيقى الذى هو نور العالم الذى لا يدنى منه [ 
وفى ثيؤطوكية السبت نقول :
]   صرت سماء ثانية يا والدة الاله , لأنه أشرق لنا منك شمس البر , بواسطك أيضاً صرنا مسكناً للروح القدس الذى حل عليك وقدسك [ .
---------------------  
( 1 ) عظة 31 على شرح انجيل يوحنا
( 2 )  عظة 11 على شرح انجيل يوحنا
( 3 ) Letter XVII 
( 4 ) سر تجسد الرب : 41
 
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق