الأربعاء، 6 أبريل 2016

حول صفات الله



نعتقد دائماً أن مضمون ايماننا بعيداً كل البعد عن أى خداع أو تضليل , وندرس القضايا الايمانية حتى تكون لنا بقدر الامكان صورة واضحة نقية ومتحررة من كل خطأ ومن أى معنى كاذب . واذ نميز بين المعرفة الكاملة عن الله وبين المعرفة الصحيحة , لا يفوتنا أن ننبه الى أن الله غير محدود ولا يدرك ادراكاً تاماً الا من قبله هو نفسه , وفق ما يقول به الكتاب المقدس " ليس أحد يعرف الابن الا الآب ولا يعرف الآب الا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " ( مت 11 : 27 )  , " أمور الله لا يعرفها الا الله " ( 1كو 2 : 11 ) . ولكن لا نشك مطلقاً أن الانسان وان كان يصعب عليه  بسبب محدوديته  أن يعرف الله معرفة تامة وأن يتعمق سر الألوهة , الا أنه يستطيع أن يكتسب  عن الله معرفة صحيحة ومؤكدة وخلاصية . 



ان الانسان لا يعرف الله كما يعرف الله نفسه , ولكن كما يكشف الله للانسان وبقدر ما يظهر له . وعلى ذلك فان اعلانات الله هى المصدر الوحيد والصادق الذى يمكن أن يستقى منه المؤمن المعرفة الصحيحة عن الله والخالية من كل خداع أو تضليل , مما يساعده عن تنمية ايمانه والتقدم فى طريق الكمال الروحى  .
ونحن نستنير من خلال الاعلانات الالهية بالأسماء التى تنسب الى الله , وبحسب ما تفسر هذه الأسماء من قبل الكنيسة . ان الله هو الكائن المطلق غير المحدود , وهو روح لا نهائى فى الكمال , يتميز عن الخليقة التى أبدعها ويسمو عنها سمواً لا نهائياً , ولكنه فى نفس الوقت يظل مع الخليقة فى علاقة دائمة مباشرة  , يحكمها ويسوسها ويعتنى بها . واذ يتكون لنا هذا  المفهوم  السليم عن الله , فاننا لا نتعرض فى الوقوع لخطأ المذاهب الفلسفية المتطرفة , مثل مذهب وحدة الوجود , ومذهب التأليه الطبيعى  .
أما مذهب وحدة الوجود : فهو مذهب الذين يوحدون الله والعالم , ويزعمون أن كل شئ هو الله . وهو مذهب قديم أخذت به البراهمانية والرواقية والأفلاطونية الجديدة والصوفية . فالبراهمانيون يردون كل شئ الى الله ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية ونفس العالم وأن جميع الأشياء الأخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحقيقة .  والرواقيون يقولون يقولون أن الله والعالم موجود واحد . والأفلاطونية الجديدة تقول ان العالم يفيض عن الله كفيضان عن الشمس وأن للموجودات مراتب مختلفة الا أنها تؤلف مع الله موجوداً واحداً . والمتصوفون يقولون ان الله هو الحق وليس هناك الا موجود واحد وهو الموجود المطلق , أما العالم فهو مظهر الذات الالهية , وليس له وجود فى ذاته لأنه صادر عن الله بالتجلى .
ولمذهب وحدة الوجود عدة صور جديدة . كوحدة الوجود الاسبينوزية التى تقرر أن الله وحده هو الموجود الحق , ووحدة الوجود المثالية ( هيجل ) التى تقرر أنه هو الروح الكلى الكامن فى الأرواح الجزئية , ووحدة الوجود الطبيعية التى توحد الله والطبيعة .
ومذهب وحدة الوجود صورة من صور الواحدية (Monisme  ) ومذهب التأليه الطبيعى ( Deisme ) ] 1 [ .
وأما مذهب التأليه الطبيعى : فهو أيضاً لا يتفق مع مفهومنا للألوهة , ذاك أننا نشير الى علاقة الله بخليقته وتدخله فى حياة البشر , ولا نبعد الخليقة  عن اهتمام خالقها الصالح , كما يذهب الى ذلك أصحاب مذهب التأليه الطبيعى , الذين على الرغم من أنهم يثبتون وجود الله بالعقل , الا أنهم يرفضون التسليم بالوحى والتغلغل فى معرفة صفات الله وعنايته , ولا يسلمون بتدخل ارادة الله فى العالم ]  2 [  .
ان الله الذى نؤمن به , له كيان شخصى . هو واحد . روح لا نهائى الكمال . بسيط لا يقبل التجزية . انه يسمو عن العالم لكنه يتدخل فى العالم وفى أحداث التاريخ .
------------------------  
( 1 ) جميل صليبا : المعجم الفلسفى  -  المجلد الثانى دار الكتاب اللبنانى -  بيروت 1973 صــ 570 .
( 2 ) مرجع سابق -  المجلد الأول دار الكتاب اللبنانى -  بيروت 1978 صــ 231 .

روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق