نعتقد دائماً أن مضمون ايماننا بعيداً كل البعد عن أى
خداع أو تضليل , وندرس القضايا الايمانية حتى تكون لنا بقدر الامكان صورة واضحة
نقية ومتحررة من كل خطأ ومن أى معنى كاذب . واذ نميز بين المعرفة الكاملة عن الله
وبين المعرفة الصحيحة , لا يفوتنا أن ننبه الى أن الله غير محدود ولا يدرك ادراكاً
تاماً الا من قبله هو نفسه , وفق ما يقول به الكتاب المقدس " ليس أحد يعرف
الابن الا الآب ولا يعرف الآب الا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " ( مت 11
: 27 ) , " أمور الله لا يعرفها الا
الله " ( 1كو 2 : 11 ) . ولكن لا نشك مطلقاً أن الانسان وان كان يصعب
عليه بسبب محدوديته أن يعرف الله معرفة تامة وأن يتعمق سر الألوهة
, الا أنه يستطيع أن يكتسب عن الله معرفة
صحيحة ومؤكدة وخلاصية .
ان الانسان لا
يعرف الله كما يعرف الله نفسه , ولكن كما يكشف الله للانسان وبقدر ما يظهر له .
وعلى ذلك فان اعلانات الله هى المصدر الوحيد والصادق الذى يمكن أن يستقى منه
المؤمن المعرفة الصحيحة عن الله والخالية من كل خداع أو تضليل , مما يساعده عن
تنمية ايمانه والتقدم فى طريق الكمال الروحى
.
ونحن نستنير من
خلال الاعلانات الالهية بالأسماء التى تنسب الى الله , وبحسب ما تفسر هذه الأسماء
من قبل الكنيسة . ان الله هو الكائن المطلق غير المحدود , وهو روح لا نهائى فى
الكمال , يتميز عن الخليقة التى أبدعها ويسمو عنها سمواً لا نهائياً , ولكنه فى
نفس الوقت يظل مع الخليقة فى علاقة دائمة مباشرة
, يحكمها ويسوسها ويعتنى بها . واذ يتكون لنا هذا المفهوم
السليم عن الله , فاننا لا نتعرض فى الوقوع لخطأ المذاهب الفلسفية المتطرفة
, مثل مذهب وحدة
الوجود , ومذهب التأليه الطبيعى .
أما مذهب وحدة الوجود : فهو
مذهب الذين يوحدون الله والعالم , ويزعمون أن كل شئ هو الله . وهو مذهب قديم أخذت
به البراهمانية والرواقية والأفلاطونية الجديدة والصوفية . فالبراهمانيون يردون كل شئ الى
الله ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية ونفس العالم وأن جميع الأشياء الأخرى
ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحقيقة . والرواقيون يقولون يقولون
أن الله والعالم موجود واحد . والأفلاطونية الجديدة تقول ان العالم يفيض عن الله كفيضان عن
الشمس وأن للموجودات مراتب مختلفة الا أنها تؤلف مع الله موجوداً واحداً . والمتصوفون يقولون ان الله
هو الحق وليس هناك الا موجود واحد وهو الموجود المطلق , أما العالم فهو مظهر الذات
الالهية , وليس له وجود فى ذاته لأنه صادر عن الله بالتجلى .
ولمذهب وحدة الوجود عدة صور جديدة . كوحدة الوجود الاسبينوزية
التى تقرر أن الله وحده هو الموجود الحق , ووحدة الوجود المثالية ( هيجل ) التى تقرر أنه
هو الروح الكلى الكامن فى الأرواح الجزئية , ووحدة الوجود الطبيعية التى توحد الله
والطبيعة .
ومذهب وحدة
الوجود صورة من صور الواحدية (Monisme ) ومذهب التأليه الطبيعى (
Deisme ) ] 1 [ .
وأما مذهب التأليه الطبيعى : فهو
أيضاً لا يتفق مع مفهومنا للألوهة , ذاك أننا نشير الى علاقة الله بخليقته وتدخله
فى حياة البشر , ولا نبعد الخليقة عن
اهتمام خالقها الصالح , كما يذهب الى ذلك أصحاب مذهب التأليه الطبيعى , الذين على
الرغم من أنهم يثبتون وجود الله بالعقل , الا أنهم يرفضون التسليم بالوحى والتغلغل
فى معرفة صفات الله وعنايته , ولا يسلمون بتدخل ارادة الله فى العالم ] 2 [ .
ان الله الذى نؤمن به
, له كيان شخصى . هو واحد . روح لا نهائى الكمال . بسيط لا يقبل التجزية . انه
يسمو عن العالم لكنه يتدخل فى العالم وفى أحداث التاريخ .
------------------------
( 1 ) جميل
صليبا : المعجم الفلسفى - المجلد الثانى دار الكتاب اللبنانى - بيروت 1973 صــ 570 .
( 2 ) مرجع سابق
- المجلد الأول دار الكتاب اللبنانى
- بيروت 1978 صــ 231 .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |