ظهر الأنبياء المدونة نبواتهم فى العهد القديم فى أزمنة
عصيبة مرت فيها الأمة . فقد كانوا هم رجال الله فى زمانهم وتناولت رسالاتهم على
وجه الاجمال أزمنة وأمكنة محددة . الا أن رسالاتهم تظل نافعة ونافذة لأن مثل تلك
الاوضاع عادت فسادت مرة بعد مرة فى التاريخ .
الأنبياء الأولون : برز الأنبياء
كجماعة أول مرة فى أيام صموئيل الذى يوصف غالباً " آخر القضاة وأول الأنبياء
" . آنذاك شكل الفلسطينيون خطراً عظيماً على بنى اسرائيل . فهؤلاء الأنبياء
الأولون بغيرتهم لاله اسرائيل , غذوا تصميم الشعب على أن يكن حراً ومستقلاً . ولما
التقاهم شاول الشاب أسره شعورهم بقوة الله القهارة , فانضم اليهم وتنبأ معهم اذ
سيطرت عليه قوة الله .
ولا يبدو أن
صموئيل نفسه انخطف فى نشوات جماعة الانبياء تلك . فقد أدى دوراً هاماً كقاض للشعب . كذلك
وبخهم على عبادة آلهة غريبة وصلى الى الله لأجلهم طلباً للمغفرة ( وذلك كله من
النواحى المهمة أيضاً فى حياة الأنبياء المتأخرين ) . وواضح أن صموئيل كان حاصلاً
أيضاً على مواهب غير معتادة . فلما كان شاول يبحث عن اتن ابيه الضائعة استطاع
صموئيل أن يخبره بأنها وجدت وينبئه أيضاً بما سيجرى له فى الطريق . لكن مثل هذه المسائل هى أمور
يسيرة نسبياً . فقد خلد صموئيل بحقيقة كونه , ككثيرين غيره من الانبياء , قد أعلن
اختيار الله لملك معين . وهو مسح شاول وداود من بعده , ملكين اختارهم الله .
وبينما داود ما
يزال ملكاً , انهمك النبى ناثان كذلك أيضاً بقضية تعيين الملوك . ولكن لم تبرز خدمة
النبوة الى المقدمة قبل منتصف القرن التاسع ق م على يدى ايليا وأليشع .
وقد كانت أزمنة
وقعت فى المملكة الشمالية هى ما دفع عمل هذين النبيين الى الواجهة . فقد استوردت
ايزابل زوجة الملك أخاب عبادة الآلهة الغريبة , مستقدمة من صور مسقط رأسها 850 من
أنبياء بعل وآشيراه , وهما اله والهة كنعانيان . اذ ذاك تيقن ايليا أن عليه أن
يتحى هذه الديانة الباطلة ويصون الايمان الحقيقى .
وهكذا دعى ايليا
الأنبياء الكنعانيين الى مواجهة فوق جبل الكرمل حيث أثبت الله بانزال نار أنه
الاله الحق - " الرب هو الله , الرب
هو الله ! " وقد تابع اليشع رسالة ايليا , وقام بمعجزات شفاء , كما أنه دبر
مسح ياهو ملكاً على الممكلة الشمالية . وجميع اليشع عدد من التلاميذ ( " بنى
الأنبياء " ) حفظوا ذكرى أعماله .
1صموئيل 7 : 3
- 17 ,
9و 10 , 2صموئيل 7 , 1ملوك 1 : 11 -
40 , 17 - 19 ,
2ملوك 1 – 9
الأنبياء المتأخرون : لم يدون أى واحد
من الأنبياء الأقدمين سفراً يجمع نبواته , وان كنا نعرف القليل مما قالوه وفعلوه .
ولكن فى الفترة " الكلاسيكية " للنبوة , أى من القرن الثامن الى القرن
الخامس ق م , دونت مجموعة كبيرة من رسالات
الأنبياء ضمت لأحقاً الى أسفار العهد
القديم الذى لدينا الأن , أشعياء , أرميا , حزقيال , كتاب الأثنى عشر نبياً (
الأنبياء " الصغار " من هوشع الى ملاخى ) , فضلاً عن سفر دانيال .
والأزمنة
الكامنة وراء هذه الفترة الجديدة للنبوة كانت الحال السياسية المتغيرة التى أدت
أولاً الى سبى المملكة الشمالية ( الأسباط العشرة ) بعد سقوط عاصمتها السامرة فى
721 ق م , ثم الى سبى يهوذا ( المملكة الجنوبية ) , بعد خراب أورشليم فى 586 ق م .
تركز رسال هؤلاء
الأنبياء على السبى . فمنهم من تنبأ بحصوله . ومنهم من تأمل فى مدلوله . وقد شجع
قسم من الأنبياء المتأخرين الذين ظهروا لاحقاً الأمة على اعادة بناء ذاتها والنهوض
من سقوطها .
قبل السبى : أنذر الأنبياء بقرب وقوع
الكارثة . وقد فعل هذ عاموس وهوشع فى المملكة الشمالية خلال القرن الثامن ,
وارمياء فى المملكة الجنوبية فى أواخر القرن السابع . ودعا الأنبياء الشعب الى
التوبة . فلم يكن بعد قد فات الوقت كى يغير الله فكره . الا أن الأنبياء اضطروا
الى الاقناع بأن الشعب لم يكونوا ينون التوبة . قد منحوا فرصاً عديدة لكنهم رفضوا
انتهازها . اذ ذاك تحدث عاموس ممثلاً جميع الأنبياء : هذه هى رسالة الله - استعدوا لمواجهة دينونتى .
ترى ماذا فعل
بنو اسرائيل حتى أغضبوا الله هكذا ؟ لقد تولى سائر الأنبياء فضح خطايا الشعب
المتنوعة . فندد عاموس بالظلم الاجتماعى , وهوشع بعدم أمانة الشعب نحو الله ,
وميخا بخطايا الحكام , وارميا بالآلهة الزائفة وفساد بنى يهوذا المستشرى . ازاء
هذه الخطايا كان لابد أن يعاقب الله الشعب , وان آلمه ذلك فى التصميم .
عاموس 9 : 1
- 4 , هوشع 11 : 5 – 7 , ارمياء 25 : 8 –
11 , عاموس 5 : 14 و 15 .
خلال وبعد السبى : ما أن أصبح بنو
اسرائيل ويهوذا فى السبى حتى بدأ بعضهم على الأقل , يدركون أنهم استحقوا هذا
العقاب . ومنذئذ وصاعداً اتيح للأنبياء أن يحركوا الرجاء . فتنبأ حزقيال بيوم فيه
تبدأ الأمة من جديد اذ ينفخ فيها روح الله
حياة جديدة بعد أن تكون عديمة الحياة ككومة من العظام اليابسة . وتطلع أيضاً بناء
الهيكل من جديد والعودة الى الاستقرار فى الأرض
. كذلك أتت النبوات الواردة فى اشعياء 40 - 55 برسالة رجاء ويقين الى الشعب . فقد كان الله
على وشك أن يرد المسبيين من بابل الى أورشليم .
وبعد رجوع طلائع
المسبيين , وجمود بهجة البدء بترميم الهيكل , دعت الضرورة الى قيام جيل جديد من
الأنبياء لمواجهة أزمة اليأس وخيبة الأمل . ولو لم يشجع حجى وزكريا الشعب على
العمل فى الهيكل , لما كان انجز قط . ولو استعادة عبادة الله على النحو المطلوب
لكانت العودة من السبى فشلاً ذريعاً .
حزقيال 37 , 40
- 48 , اشعياء 40 : 1 , 9 و 10 .
دور الانبياء : خير فهم لدور الأنبياء يقوم فى اعتبارهم مرسلين من لدن الله . فغالباً
ما تبدأ رسالاتهم بالعبارة " هكذا قال الرب " أو " كان كلام الرب قائلاً " وما شابه . بهذه الطريقة
كانت تبدأ الرسائل الشفهية التى ينقلها رسول ما . وقد دعا الله الأنبياء لسماع
خططه ورسالاته . ومن ثم أرسلهم لتبليغ بنى اسرائيل وسائر الأمم تلك الرسالات .
وكان الأنبياء أحياناً يرون رؤى او يعظون مواعظ , أو يستخدمون الشعر أو التمثيل فى
تكليمهم للشعب . وقلما أخبروا عن الطريقة التى يتلقون بها رسالاتهم . الا أنهم كانوا متيقنين أن ما قالوه
كان صادراً من لدن الله .
وكان الأنبياء
فى الغالب ضد تيار الرأى العام . ففيما بدا أن كل شئ بخير , كانوا ينددون بشرور
مجتمعهم وينبئون بمصيره السئ . هذا
الموضوع من مدونة ايماننا الاقدس, وحينما أبدى شعبهم التشاؤم , كانوا يتنبأون
بالرجاء . وقد أتوا بها الكلام المنطوى على تحد وازعاج , من لدن الله , لأن دعوة
الله تغلغلت فى أعماق حياتهم , وأحدثت فيهم تغييراً عجيباً .
كذلك كان
الأنبياء أيضاً معلمين يدعون الشعب الى اع شعائر الله . لم يكونوا يبشرون بدين
جديد , بل كانوا يطبقون كلمة الله على زمانهم .
يدين العهد
القديم بالكثير للأنبياء . فقد كتب الأنبياء , أو الرجال الذين تعلموا من تعليم الأنبياء أموراً كثيرة ,
لا أسفار الأنبياء وحدها بل عدة أسفار تاريخية , ولا سيما تلك الممتدة من يشوع الى
الملوك الثانى . انهم كتبوا التاريخ من وجهة نظر الله .
أرمياء 23 :
18- 21 و22 , عاموس 7
: 1- 2 , زكريا 1 : 7 -
21 , ارمياء 7 , 18 , 19 , اشعياء
1 , حزقيال 5 : 17 , 1ملوك 18 : 19 , عاموس 7 : 14 - 16 ,
اشعياء 7 , ارمياء 1 .
الأنبياء الكذبة : شهد تاريخ الشعب
القديم على مداه أنبياء كذبة زعموا أن رسالاتهم جاءتهم من الله , وهى فى الواقع
ليست من لدنه . فربما استهل نبى كلامه بالقول " هكذا قال الرب
... " ولكن هذا لا يضمن كونه ينقل فعلاً كلام الله . وقد كان الأمر فى
بعض الأحيان يحتاج الى بصيرة روحية لمعرفة ما جاء من عند الله فعلاً . والناموس فى
سفر التثنية نبه الى هذه المشكلة وقدم قاعدتين نافعتين بشأنها . فان تنبأ النبى
بشئ ولم يحدث , فهو نبى كاذب . أو أضلت رسالته الشعب عن الله وعن شريعته , كانت
رسالة باطلة .
1ملوك 22 , ارمياء
28 , ميخا 3 : 5 - 7 , ارمياء 23 : 13 - 32 ,
تثنية 13 , 18 : 21 و 22 .
رسالة الأنبياء : رأى أرمياء أن
السبى نقض عهد الله مع الشعب : " قد بيت اسرائيل وبيت يهوذا عهدى الذى قطعته
مع آبائهم . " , ولكن الأنبياء أكدوا
أن الله لن يتخلى عن شعبه مع أنهم لم يعد لهم حق فى شئ من عندهم . ولهذا استطاع
الأنبياء الذين رسموا صور مروعة للمستقبل أن ينظروا الى ما وراء المأساة فيجدوا
رجاءً . ففى عاموس وعد باعادة بيت داود الى الملك , وفى هوشع بشفاء الله لارتداد
الشعب , وفى ارمياء بتجديد الله للعهد .
وهكذا نظرت
رسالة الأنبياء الى الماضى , داعية الشعب الى الطاعة كما فى القديم , والى الحاضر
, معالجة أزمة الأيمان التى تورطوا فيها , والى المستقبل , اعتقاداً منهم بأن الله
ارتبط بشعبه . هذا الارتباط قد يستدعى معاقبة الشعب الى حين , لكن الأمر سينتهى
باعادة البناء . وأحياناً دعى الوقت الذى يعاد بناء الشعب بعد هدمه " يوم
الرب " والرجاء بمجئ مسيح يرد الشعب
هو رجاء له جذوره فى العهد القديم , لكنه قوى وصار مهماً فقط فى القرون الأخيرة
قبل المسيح . وقد رأى الأنبياء أن الله سيتدخل لانقاذ الشعب ورده .
ارمياء 11 : 10
, عاموس 9 : 11 و 12 , هوشع 14 : 14
, ارمياء 31 : 31 - 34 ,
عاموس 9 : 9 , زكريا 13 : 8 و 9 , اشعياء 2 : 12 - 17 , صفنيا .
النبوة فى العهد الجديد : بانسكاب الروح القدس على جميع المؤمنين , صار فى
وسعهم جميعاً , رجالاً ونساءً أن يعلنوا
رسالة الله . ولكن هناك " نبوة
" خاصة مذكورة فى العهد الجديد . وهذه من المواهب التى اعطيت لبعض الأفراد فى
الكنيسة لأجل البنيان . وهى لا تعنى بكشف المستقبل بل باعلان فكر الله من خلال
كلمته .
أما نبوات سفر
الرؤيا , مثل بعض ما جاء فى سفر دانيال , فهى تنتمى الى النبوات المتعلقة بالآخرة
. وتحتوى على نوع خاص من الرموز والصور البيانية التى لا تفهم الا بتطبيقها اولاً
على ما كان شائعاً فى زمن كتابتها .
أعمال 2 : 17 ,
1كورنثوس 11 : 5 , 14 : 24 و29 , 1كورنثوس 12 : 10 , 29 .
انتهى
بنعمة الله ...
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |