بر - رعمسيس
نفهم مما جاء فى سفر الخروج
( 11 : 1 ) ان العبرانيين سخروا فى بناء مدينتين احدهم تحمل اسم فيثوم , والثانية
تحمل اسم رعمسيس . وحيث أن احدى المدينتين حملت اسم الملك رعمسيس فلذلك يتعين أن
يكون فرعون التسخير يحمل اسم رعمسيس .
ولكن هناك نحو احد عشر
ملكاً يحملون نفس الاسم أولهم هو مفتتح الاسرة التاسعة عشر , وآخرهم هو خاتم
الاسرة العشرين ولكن الاكتشافات الاثرية وعلى رأسها لوحة مرنبتاح جعلت معظم
الباحثين ينسبون تلك المدينة الى رعمسيس الثانى .
وقد اختلف العلماء
والباحثون فى تحديد نقطة البدء فى الخروج , وحط كل منهم ركاب ابحاثه فى منطقة
بعينها ما بين الفرما ( 1 ) وتانيس ( 2 ) وتل الرتابة ( 3 ) . ولكن انتهى أكثر الباحثين الى ترجيح بلدة قنتير ( 4 ) النقطة الاولى لانطلاق العبرانيين فقد
اقترحها محمود بك حمزة نتيجة لأعماله الحفرية هناك , وأيد نتيجة أبحاثه هيس وسليم
حسن وغيرهما , وذلك لقربها من سكوت ( جكو -
تل المسخوطة ) المحطة الاولى بعد الخروج
.
وجاء فى قصة الراهبة ايثيريا التى زارت الاماكن المقدسة فى
سيناء أنها مرت بمدينة تدعى رعمسيس وقالت انها
تقع على بعد اربعة اميال من ارابيا ( فاقوس ) وقالت فى وصف اطلالها : " حقاً
أنها كانت ظاهرة للعيان لأن صورها كان ضخماً وفيه مبان عديدة , وعلى أى حال فأن
مبانيها ساقطة على الأرض كان لا نهاية لها بيد أنها انها لا يوجد شئ الأن منها الا
حجر ضخم طيبى قد نحت فيه تمثلان ضخمان يقال أنهما للقديسين موسى وهارون ( 5 ) لأنه يقال : ان بنى اسرائيل قد وضعوهما
هناك تذكاراً لهما "
ويؤكد كثير من الباحثين ان
قنتير هى مدينة رعمسيس القديمة " والرأى المرجح الأن هو أن قنتير كانت عاصمة الملك
السماة بر رعمسيس , وهذا يتفق مع الطريق التى سلكها بنو اسرائيل " ( 6 )
ومما يعضد رأى الباحثين فى
انها كانت مقر للرعامسة وهو وجود معابد لكبار الآلهة مثل آمون , وبتاح , وسيت .
فضلاً عن أنه قد عثر بها على أجزاء من تلك القصور الملكية . وكما عثر على أسماء
رجال الدولة مثل ( ست حر خبشف ) رئيس
الجيش , ( وبتاح معى ) رئيس كتيبة المعبد
, والوزير ( خعى ) وغيرهم . وبالطبع كان رجال الدولة يقيمون حيث يوجد مليكهم , أو
بالقرب منه . وحتى تكون قريبة من البلاد السورية التى كان سكانها دائمى الثورة على
الحكم المصرى . وكثيراً ما كانت قبائل الشاسو ( البدو من العرب وغيرهم ) تهدد
البلاد من تلك الجهة . ويعضد هذا الرأى الاثريان الاستاذ W . C . HAYES والدكتور
سليم حسن وغيرهما .
ومع ذلك فيرى جاردنر أن
بيلوزيوم / الفرما ( 7 ) كانت هى عاصمة الرعامسة وقطعاً بنى رأيه على آثار تحمل اسمائهم هناك .
ورداً على ذلك , وكما ذكرنا فان وجود آثار لملوك فى مكان معين لا يعنى بالضرورة
أنهم أقاموا بهذا المكان . فمثلاً وجدت بمعبد سيرابيس بالاسكندرية آثار تحمل اسم
رعمسيس وحور محب وتحتمس الثالث , وغيرهم ممن عاشوا قبل أن تبنى مدينة الاسكندرية
بمعبدها قبل أكثر من الف عام . وقطعاً نقلت آثارهم من مواقع اخرى ونصبت فى معبد
سيرابيس . ولعل ما تم الكشف عنه جعل جاردنر يغير رأيه , ومال الى اعتبار تانيس هى
عاصمة الرعامسة , ثم رجع بعد ذلك أو اريس .
ورأى نافيل أن مدينة فكوسا
الأغريقية ( فاقوس حالياً ) هى التى كانت مدينة رعمسيس المعنية . واذ لم يتفق
العلماء والباحثون على تحديد موقع عاصمة الرعامسة تحديداً دقيقاً الا أن الجميع لم
يخرجوا من منطقة شرق الدلتا حيث أقام العبرانيون , وهى قريبة من خليج السويس
- الذى كان ممتداً شمالاً - حيث عبروا .
وقد وردت أوصاف مدينة
الرعامسة على بردية أنسطاسى الخامسة . حيث جاء فيها " وقد بنى جلالته لنفسه
قلعة اسمها عظيمة الأنتصارات ... رعمسيس مري آمون فيها بمثابة اله ... والوزير شمس
الامراء " وبمطابقة ما جاء على هذه الورقة بما عثر عليها فى بلدة قنتير من
قطع فخار تحمل اسم رعمسيس الثانى منعوتاً بلقب سمش الامراء . وحاكم الحكماء , جعل
الاستاذ محمود حمزة وغيره يرون فى قنتير أنها هى بعينها مدينة رعمسيس . ومما يدعم
تلك النظرية العثور على استراكا اخرى فى نفس المنطقة مكتوبة عليها اسم المدينة بر –
رعمسيس . ويتحدث عن وجود دن ( مخزن ) للنبيذ فى أوان مخزونة لا لاستعمال المقر
الملكى فقط بل وكذلك لمد معابد الاقليم الجنوبى بما يحتاجه
منه . ويؤكد الدكتور سليم حسن أن قنتير هى عاصمة الرعامسة بقوله " وتدل شواهد
الأحوال على أن كانت قد بدأ العمل فيها فى العهد الذى اشترك فيه رعمسيس مع والده
فى الحكم بل يحتمل أن رعمسيس قد اتخذها
مركزاً له ولما توفى والده وأنفرد بالحكم نقل الحكومة اليها (
8 ) .
أطلال تانيس القديمة |
سكوت ( تل اليودية ) :
" فأرتحل بنو اسرائيل من
رعمسيس الى سكوت نحو ست مئة الف ماش من الرجال عدا الأولاد ... ( خر 12 : 37 )
" فأرتحل بنو اسرائيل من رعمسيس ونزلوا فى سكوت " ( عدد 33 : 5 ) .
يعتقد جاردنر ( 9 ) أن سكوت هى جكو التى وردت فى احدى أوراق أنساطسى وأنه تقع على مسافة قصيرة
من بحيرة التمساح وتبعد عن قنتير بأقل من سبعة أميال ( 10 ) أو عشرين كيلو متراً ( 11 ) وصل اليها بنو اسرائيل فى مسيرة يوم واحد . وقد ورد اسم
هذه المنطقة فى البردية اثناء الحديث عن هروب عبدين من البلاط الفرعون " وبعد قد أرسلت من بلاط القصر الملكى زراء هذين
العبدين فى اليوم التاسع من الشهر الثالث فصل الصيف وقت المساء . ولما وصل الى حصن
سكوت فى اليوم العشرين من الشهر الثالث علمت بأن أخبار الجنوب تقول فرا ذاهبين ...
ولما وصلت الى القلعة اخبرت أن السائس قد حضر من الصحراء ... " واستناداً على
وصف الورقة لموقع سكوت بأنها على الحدود ويسكنها الاجانب وأن بها قلعة تدعى "
ختم سكوت وبها بحيرات ( بتوم مرنبتاح )
التابعة لبلدة سكوت , ويرجح الدكتور سليم حسن موقعها عند الصالحية . وأن هذه
البحيرات " لا تخرج عن كونها بحيرة مهيشر ومستنقعات سعدة , وأكياد , وقد كان
الراعنة مغرمين بالصيد والقنص فى أعشاب هذه المستنقعات ... (
12 )
وقد وصل عندها العبرانيون
وعددهم يقدر بنحو مليونين ونصف المليون من الأنفس ( 600 ألف رجل + ثلاثة أمثال
العدد من النساء والأطفال ) ( خر 13 : 37 ) .
وتوجد مدينة اخرى تحمل اسم
سكوت فى الاردن , كانت تقع بالقرب من شكيم ومن مدينة اخرى تسمى صردة / صرتان ( 13 ) وهذه المدينة بناها يعقوب وهو فى طريقه
من بلاد آرام الى أرض كنعان . فهناك صنع مظلات لمواشيه ولذلك اطلق عليها اسم سكوت
( تك 33 : 17 ) . ولكن هذه المدينة وقعت بعد ذلك فى أيدى الاموريين فكانت تابعة
لسيحون زعيم مملكة حشبون الارامية .
صحراء ايثام :
" وارتحلو من سكوت
ونزلوا فى ايثام فى طرف البرية وكان الرب يسير امامهم نهاراً فى عمود سحاب ليهديهم
فى الطريق وليلاً فى عمود نار ليضئ لهم لكى يمشوا نهاراً وليلاً " ( خر 13 :
20 - 21 ) كانت توجد عدة طرق ( 14 ) تمر بسيناء كان يسلكها المسافرون من
التجار والرحل , كما كانت تسلكها الجيوش الخارجة من مصر أو القادمة اليها .
فأستخدمها الفراعنة فى حملاتهم العسكرية منذ أقدم العصور وفى بعثاتهم التعدينية فى
مناجم سيناء .
وعلى الرغم من هذه الطرق
العديدة والتى كانت كلها أو بعضها على الأقل معروفة لموسى النبى , ولدى الكثير من
العبرانيين الذين استغلوا بالتجارة الا أن الله لم " يهدهم فى طريق أرض
الفلسطينيين مع أنها قريبة لأن الله قال لئلا يندم الشعب اذا رأوا حرباً ويرجعوا
الى مصر . فأدار الله الشعب فى طريق برية بحر سوف " ( 13 : 17 ) الى أن وصلوا
الى ايثام . ويرى البعض أن ايثام كانت جهة أو برية وليست مدينة ( 15 ) وأن بها قلعة للمراقبة وحماية الحدود .
وأجمع المختصون على أنها تقع عند مدخل طريق شور الذى يتفرع منه عند طريق نخل
- العقبة . وظل العبرانيون ائرين بها
ثلاثة أيام . وبالرجوع الى المعنى اللغوى يرى البعض أن الكلمة العبرية هى ( مد بار
) ومعناها صحراء أو بيداء حيث ترعى الغنم ( 16 ) بينما يذهب آخرون أن الى القول بأنها تعنى حصناً ( 17 ) , ويذهب فريق آخر الى التوحيد اللغوى بين
ايثام وأدوم وأنها كانت مقراً للبدو ( الشاسو ) الذين كانوا ينزحون حتى الحدود
المصرية جرياً وراء الكلأ , وذلك استناداً على ماجاء فى احدى أوراق أنسطاسى :
" لقد انتهينا من
ملاحظة قبائل شاسو التابعين لأدوم من حصن مرنبتاح ( حرب حت ماعت ) له الحياة
والفلاح والصحة فى ( سكوت ) نحو برك ( بثوم ) لأجل أن يطعموهم ويطعموا قطعانهم فى
ضياع الفرعون له الحياة والفلاح والصحة وهو الشمس الطيبة لكل أرض مصر ولقد جعلهم
يحضرون ... " ( 18) .
ونفهم مما سبق أن الادوميين
وان كان موطنهم الاصلى الى الشرق من خليج العقبة الا أن قبائل منهم كانت تتوغل فى
صحراء سيناء حتى حدود مصر الشرقية مما يفسر ذكر التوراه لهم فى أماكن مختلفة .
فم الحيروث ( بى ححيروت ) :
يرى نافيل وبترى أنها تقع
على بعد عشرة أميال جنوب مدينة الاسماعيلية وعرفت بأسم مدينة سيرابيون حديثاً ( 19 ) وأنها كانت تعرف باسم ( بى قحرت ) عند
المصريين القدماء . ولجأ البعض الى التشابه اللغوى بين ( فم الحيروث ) و ( فم حور
) . وكلمة فم حور هى ترجمة مفترضة ليس لها وجود لمصب فرع مياه حور الذى كان يصب فى
بحيرات البلاح والمنزلة . ويرى د . سليم حسن أنه " يمكن ترجمة اسم مصب هذا
الفرع من الاغريقية بعبارة فم حور , وهذه التسمية لا تختلف كثيراً عن تسمية فم
الحيروث " ( 20 ) ولكن هذا الدليل له من الضعف ما لترجمة لفظة ( فم حور ) من الافتعال .
الخروج والتيه فى البرية |
وبالرجوع الى سفر الخروج الذى
ذكر أنها تقع " بين مجدل والبحر أمام بعل صفون مقابله تنزل عند البحر "
( خر 14 : 2 ) يتضح أنها تقع بين ثلاثة أماكن : مجدل والبحر وبعل صفون . وعند
تحديد هذه المواقع يمكن الاهتداء الى موقع فم الحيروث .
ولكن لما كان العبور لم يتعين
بعد عند الباحثين , فهم يرفضون أن يكون العبور قد تم عن طريق البحر الأحمر نفسه ,
وقلة منهم يميلون الى اعتباره خليج السويس . والأكثرية تميل الى انه بحيرة من
البحيرات والتى اختلفوا فى تحديد أيها كانت طريقاً للعبور , هل هى المنزلة أم
التمساح أم احدى البحيرات المرة ؟ ولكن الشئ المؤكد أنه أياً كان السطح المائى
الذى عبره العبرانيون فلا بد أن يكون من العمق بدرجة تكفى لتحقيق المعجزة أمام
الشاهد . الأمر الذى لم يحتج عليه العبرانيون عندما كان موسى وخلفاؤه يذكرونهم بها
بين الحين والاخر عند تبكيتهم على خطاياهم أنهم عبروا البحر بأيادى رفيعة . كما
أنهم نظروا المعجزة بعيونهم وخافوا الرب " ورأى اسرائيل الفعل العظيم الذى
صنعه الرب بالمصريين فخاف الشعب الرب وأمنوا بالرب وبعبده موسى " ( خر 14 :
13 ) .
وبينما هم مجتمعون عند فم
الحيروث نظروا من بعيد المصريين مقبلين عليهم . ولنفترض أنهم رأوا المصريين على
اقصى بعد تراه العيان . وأن البحر انشق عند الفجر بعد مرور ليلة واحدة فكيف لم
يدركم المصريون طوال ساعات الليل ؟ وتأتى الاجابة فى آية اخرى عجيبة قد عملها الرب
معهم " فأنتقل ملاك الله السائر أمام عسكر اسرائيل وسار وراءهم . وانتقل
عامود السحاب امامهم ... ( خر 41 : 19 -
20 ) . أى أن الله اضاء للخارجين لهدايتهم وحجب النور عن فرعون وجنوده
لضلالتهم .
مجــــدل :
جاء ذكرها فى آثار سيتى
الأول الحربية ( 21 ) , وقد أشار الباحثان بترى وجيرون وغيرهما الى موقعها عند تل الهر على حافة
الدلتا . وعندها يبدأ طريق شمالى الى فلسطين يسير بمحاذاة البحر المتوسط . وعندها توجد
قلعة عربية يرون أنها أنشئت على أنقاض قلعة قديمة . ولكن هذا التحديد على الرغم من
وجود ما يبرره الا أنه يجعل من بحيرة المنزلة مكاناً للعبور . وو ما نستبعده
للأسباب التى اشرنا اليها آنفاً . هذا ولا يمنع أنه كانت توجد قلاع كثيرة على
الحدود الشرقية لمصر . فبناءاً على رأى الباحثين أن كلمة مجدل أو مجدول تعنى قلعة
. وهو من الأسباب التى دفعتهم الى التمسك بهذا الرأى لوجود قلعة فى المكان الذى
أشاروا اليه . فلذلك ربما أشار موسى النبى الى مجدل ( قلعة ) أخرى فى مكان آخر .
ويعتقد البعض أن الآخر أن موقعها كان فى منطقة البحيرات المرة ( 22 ) . وهناك مواقع اخرى ذكرت ذات الاسم ,
فنسمع عن مدينة وردت فى سفر التكوين تقع فى بلاد كنعان وى ليست ببعيدة عن بيت لحم
. وكانت المحطة الأولى ليعقوب وبنيه بعد أن غادروا بيت ايل . ففى الطريق ماتت
راحيل بالقرب من افراته الاسم القديم لبيت لحم عند الموضع المعروف بقبر راحيل ( تك
35 : 20 ) ومن هذا المكان رحل يعقوب ليجد له مستقراً فى مجدل عدر حيث نصب هناك
خيمة . وذكرت مدينة اخرى تحمل ذات الاسم فى سفر يشوع ( 11 : 37 ) هى مجدل جاد ربما
تختلف عن مجد ايل المذكورة فى نفس السفر ( يش 19 : 38 )
وأما مدينة مجدل المصرية
فقد ذكرت فى سفر أرمياء ( 44 : 1 ) حيث هجر اليها عدد من اليهود الذين فروا من
أورشليم ومن غيرها من مدن يهوذا خوفاً من بطش البابليين . وهؤلاء قد جاءوا الى مصر
حيث رحب بهم عاهلها حفرع ( حع اب حع ) المعروف عند الغرب باسم ابريس وهو أحد ملوك
الاسرة السادسة والعشرين . وأن بعضاً من الفارين استقروا فى مجدل المذكورة وبعضهم
أقام فى منف وفى تحفنيس ( ار 44 : 1 , حز 29 : 10 , 30 : 6 ) .
بعل صفون :
تقع هى ومجدل بالقرب من مكان
الخروج حسبما جاء فى سفر الخروج والعدد . وقد ظل هذا المكان مجهولاً حتى عام 1940
وعندما عثر فى منطقة سقارة على بديات ترجع الى القرن الخامس قبل الميلاد ( العصر
المتأخر ) من عهد الملك أحمس الثانى ( آمازيس ) وقد ذكرت الكتابة الديموقيطية
الموجودة على احدى البرديات اسم الاله بعل زيفون القريب من ( بعل صفون ) , وفى
الخطاب يتضرع شخص الى هذا الاله . والى كل الهة دافنى ( ادفينا ) . ومن هنا يرى
الاثرى نويل جيرون وان بعل يفون هو الاله المحلى لبلدة دافنى ومن ثم تكون بحيرة
المنزلة هى يأم سوف التى عبرها الاسرائيليون ولكن بحيرة المنزلة تقع الى الشمال
الشرقى بعيداً عن قنتير المكان الذى رجحه الكثير من الباحثن والعلماء على أنه كان
نقطة التحرك فكذلك يجعلنا لا نقبل بسهولة
تأويل جيرون لنص البردية فضلاً عن أنه لا يتفق وخط سير العبرانيين ولا يتفق المحطة
التالية للخروج لهذا ولغيره يمكن تأيل الأمر على أعتبار ان بعل صفون كان يعبد فى
أكثر من مكان بشرق الدلتا ليس فى شمالها فقط أى لم تكن عبادته فنحصرة فى دافنى فقط
بل فى مناطق عديدة من اقليم شرق الدلتا .
بحـــر ســـوف :
ورد الاسم لأول مرة فى
الكتاب المقدس فى سفر الخروج ( 10 : 19 ) عقب ضربة الجراد عندما أمر الرب ريحاً
شرقية شديدة تحمله وطرحته فى ذلك البحر . وسميت المنطقة الصحراوية الممتدة بين
الحدود الشرقية للدلتا وخليخ السويس باسم برية
بحر سوف ( 23 ) وقد ذكر البحر
الأحمر تارة باسم ( 24 ) بحر سوف وتارة اخرى باسم البحر ( 25 ) .
ومما يدل على أنه يقصد البحر الأحمر وليس بحيرة بوص كما ظن بعض رجال الحفرات :
اولأ : ان خليج العقبة نفسه اطلق عليه اسم بحر سوف فى قوله أن
بنى اسرائيل ساروا فى طريق بحر سوف وأتوا الى قادش ( قض 11 : 16 ) وقادش قلعة على
ساحل خليج العقبة . كما ذكر أيضاً أن عصيون جابر تقع على نفس البحر ( الخليج ) . ( 26 )
ثانياً : أن سفر الخروج ذكر أن المياه غطت مركبات فرعون (
27 ) بل
انهم غاصوا فى الماء ( 28 ) وان جثث الموتى طفت على وجه المياه
( خر 14 : 30 ) وأما مكان العبور فمن
المرجح انه كان فى شمال خليج السويس ( 29 ) عند نقطة لا يزيد اتساعها عن 7 كيلو مترات وربما أقل من
ذلك . وهى المسافة التى يمكن للرجال أن يقطعها فى ساعات قلائل . ولكن ما الدافع
الذى عزا بالباحثين الى استبعاد أن يكون
البحر الاحمر أو خليج السويس مكاناً للعبور ؟
أولاً : ان عبور البحر الأحمر نفسه أمر يتعذر تحققه لانه بعيد تماماً عند نقطة
انطلاقه من بر – رعمسيس الواقعة فى شرقى الدلتا . وأياً كان موقع بر - رعمسيس فى قنتير . أو فى تانيس أو فى غيرهما
فكل منطقة شرق الدلتا تبعد كثيراً تبعد عن البحر الأحمر اللهم الا اذا كان العبور
قد تم عند الطرف الشمالى لخليج السويس . ويرى Linant de
Belfonds أن هذا الخليج كان يمتد فى
ذلك العهد حتى بحيرة التمساح . ويضيف روبرتسون أن اتساعه كان أقل مما هو عليه الآن
. وعندئذ يصبح أمر الخروج مقبولاً .
ثانياً : أنهم يرون أن البحر الأحمر , وكذلك خليج السويس لهما من
العمق الكبير الذى يتعذر عنده نزوله الدواب والعجلات الحربية . لكن الذى سخر مياه البحر لتقف كسدين
على يمين وعلى يسار العابرين لا يصعب عليه أن يقصر المسافات ويذلل العقبات التى لا
تقوى عليها سواعد الرجال (30) .
ثالثاً : ان الباحثين يريدون أن يثبتوا أن العبور قد تم بطريقة
طبيعية لا اعجاز فيها , الأمر الذى يزعمون أنه تحقق من خلال عبور بحيرة كانت قد
جففتها الرياح طوال الليل . وهذا أيضاً أمر غير معقول أن تجفف الرياح بحيرة لها من
العمق ما أغرق جنود فرعون بعجلاتهم الحربية
بين ليلة وضحاها , ما لم تكن الرياح هذه مؤتمرة من الله لفعل ذلك الأمر
بعينه . الرياح العادية يمكنها يمكنها أن تجفف مستنقعات ضحلة فى فترات قد تستغرق
أسابيع وشهور . الا أن ما حدث لموسى النبى وشعبه معجزة بكل المقاييس حتى ولو من
وجهة نظر الباحثين أنفسهم . وقد جاء فى التوراه أنها ريح شرقية عاتية ظلت تهب طوال
الليل وهذه هى المعجزة ," فكان الريح يهب فى الاتجاه الصحيح فى الوقت المناسب
, وكان هبوبه شديداً حتى جفف الارض , وبذلك سار موسى وشعبه على اليابس " (31)
ويلجا الباحثون الى تفسير
عبارة ( سام سوف ) العبرانية , والمترجمة هنا بالبحر الأحمر red sea على أنها تعنى بحر القصب Sea Of Reeds (32) عند البعض , أو بحيرة البوص أو البردى عند البعض الآخر
, فهم يرون أن كلمة يام التى تنطق يم فى العربية تطلق على البحر والنهر , وجاء فى
لسان العرب أن اليم هو البحر وقد خص بنيل مصر . نعم لقد لقب المصريون نيلهم بالبحر
لعظمته , وربما لم يطلق ذلك على غيره . فهذه التسمية متأخرة جداً عن الزمن الذى
كتبت فيه التوراه . وأيضاً كلمة يام العبرية تدل على البحر وحده ولا تعنى النهر أو
البحيرة .
ويرون أن كلمة سوف Suf العبرية قريبة
من الكلمة المصرية القدديمة سوفى بمعنى البردى ولذلك يجمع الكثيرون منهم أن العبور
كان لبحيرة وليس للبحر الاحمر أو لخليجه . ولكنهم لم يتفقوا على بحيرة بعينها .
فهل المنزلة أم التمساح أم احدى البحيرات المرة . أم أنهم عبروا خلال برزخ ضيق كان
يصل بين بحيرتى التمساح والبلاح (33) . وانتهت جهود الباحثين الى عدم تقديم الدليل القاطع الذى يشير تحديداً
الى مكان العبور . واذا زعم الباحثون أن العبور كان لبحيرة مياهها ضحلة
كقولهم " فلو أن مكان العبور كان ضحلاً فى ناحية بحيرة التمساح لما
كان من غير الميسور أن تعمل ريح قوية طيلة الليل على جرف مياه حتى جففتها ... وهى
ظاهرة نستطيع أن نلمسها فى منطقة السويس حتى اليوم (34)
والسؤال هنا من أين جاء
الماء الذى وقف مثل السور عن يمين ويسار العابرين ؟ والذى اغرق فرعون وفرسانه من
فور انتهاء العبرانيين من عبورهم ؟! ان فى
ذلك لمعجزة اخرى ! " فقال الرب لموسى مد يدك على البحر ليرجع الماء على
المصريين على مركباتهم وفرسانهم ... فرجع الماء وغطى وغطى مركبات وفرسان جميع جيش
فرعون الذى دخل ورائهم فى البحر لم يبق منهم ولا واحد .. " ( خر 14 : 26
- 30 ) .
وقد ذهب هانز جوديك بخياله فى
تفسير أمر الخروج محاولاً ايجاد سبب علمى له . فقال بأن عبور البحر الأحمر وغرق
فرعون وجنوده كان حادثة تاريخية حقيقة وقعت أحداثها عام 1477 ق . م . ويرى أن مكان العبور كان جنوب بحيرة المنزلة
وأن غرق المصريين كان نتيجة لحدوث موجة عملاقة تسمى Tsunami نجمت عن عمليه مد بحرى بسبب ثورة بركانية حدثت فى البحر المتوسط
عند جزيرة ثيرا - سانتو رينى – thera santorini وأنها قد اغرقت الدلتا وكونت بحيرة المنزلة فاتت
على المصريين الواقفين فى السهل , بينما نجا العبرانيون الواقفين على التل .
واعتمد جوديك على نظريته على ما جاء فى سفر الخروج (35) من أنه كان هناك عامود من النار يظهر ليلاً وعامود من
السحاب يظهر نهاراً . وفى رأيه أن هاتين العلامتين لهما طبيعة بركانية .
ولكن رأى جوديك هذا تعترضه
عقبات فأولاً طبيعية وتعتمد على مصدر دائم للمياه , واذا كان امتلاؤها بالمياه نتج
عن حادث طارئ هو عملية المد البحرى التى تبعت البركان الذى يقول به , فكان لابد
وان تجف هذه البحرية بعد فترة من زوال السبب وهو ما لا يشهد به الواقع . فضلاً عن
ذلك لا يوجد أى أثر تاريخى يشير الى تلك الحادثة فى ذلك الوقت . كما أن قصة الخروج
التى كتبها موسى النبى بوحى الله ذكرت أنهم عبروا البحر الأحمر , وان المياه صارت
سوراً لهم عن يمينهم وعن يسارهم , وليس كما قال جوديك أنهم صعدوا على تبة , بينما
غرق المصريون الذين فى السهل . كما أ، أسفار التوراه تفرق دائماً بين البحر الأحمر
( بحر سوف ) , والبحر الابيض المتوسط , الذى يسميه الكتاب المقدس " الكبير
" ( 36 ) " والبحر
الغربى " ( تث 11 : 24 , 34 : 2 ) " والبحر العظيم " يش 23 : 4 ) .
وبعد عبورهم للبحر مكث العبرانيون فى سيناء على مدى اربعين سنة تنقلوا خلالها فى
أماكن مختلفة حتى انتهى بهم المقام الى بلاد كنعان .
ويلاحظ المطالع
لرواية التوراه عن الخروج أنها أتسمت بالدقة والتسلسل التاريخى والمنطقى التى
ايدته المصادر والاكتشافات التالية لها بحيث أن ما ذكرته التوراه صدقت عليه تلك
المصارد . وما سكتت عنه التوراه سكتت عنه أيضاً تلك المصادر . مثال لذلك اعلان سفر
التكوين عن مجئ يوسف واخوته واستيطانهم أرض مصر وتسخير فرعون لهم فى بناء مدينتى
فيثوم ورعمسيس , نجد أنه بعد خروجهم بأكثر من ثلاثة آلاف عام تكشف لنا أعمال الحفر
والتنقيب عن أطلال ذينك المدينتين .
وكما كان الكتاب المقدس
سباقاً عن قصة الخروج , فكان كذلك المصدر الأول والوحيد الذى انفرد بذكر الكثير من
الاحداث التاريخية حتى تم الكشف واماطة اللثام عنها فى عصرنا الحديث , وبعد مرور
ثلاثين قرناً من غابر الزمان . مثل موضوع خلق السموات والارض , وأمر خلقة آدم من
التراب , وتواجده فى جنة , ثم طرده منها , وقصة نوح والطوفان . وحديثه عن ابراهيم
واسحاق ويعقوب , بل نوح وخلفائه اى عن أصل الشجرة البشرية التى استأنف انباتها بعد
هطول المياه الطوفانية . والتى أعانت فى تصنيف السلالات البشرية , والالسن واللغات
السامية والهندو أوروبية . وتحدثت التوراه كذلك عن الحثيين والأموريين وغيرهم قبل
أن يميط المنقبون اللثام عن اثارهم .
لهذا ولغيره يجب أن يوضع ما
جاء فى الاسفار المقدسة موضع الاعتبار عند تناول موضوع الخروج بل وتاريخ الامم
القديمة , على الأقل كمصدر تاريخى . ولما كان التاريخين الفرعونى والتوراتى لا
يسيران فى خطين متوازيين . لهذا يجب أن بالثانى وذلك لصحة مصدره ودقته وتوافقه
الداخلى .
--------------------
( 1 ) تقع شرقى بورسعيد , اقترحها
شاباس وأيده فيها جاردنز لفترة ثم غير رأيه .
( 2 ) صان الحجر / صوعن التوراه والمزامير 12 , 43 , 78 . أشار
اليها مونتيه Montet كثمرة لأبحاثه هناك
وجذبت أراه جاردنز ليأخذ بها . وأيده كل من هول وبروجش وغيرهما .
( 3 ) اقترحها بترى ووافقه عليها
نافيل وغيره .
( 4 ) تقع على بعد عشرة كيلو متراً
الى الشمال من فاقوس , ونحو خمسين كيلو متراً من الزقازيق .
( 5 ) لعل التمثالين كانا لرمسيس
الثانى أو لغيره من الفراعنة لأنه من
المستبعد أن يسمح للأجانب بنحت تماثيل ولم يكن العبرانيون محتلين البلاد ولهم من
القوة والجبروت أن يصنعوا تماثيل لزعيمهم كما أن موسى لم يكن ليوافقهم على ذلك .
ناهيك عن القوم فيما كانوا مسخرين للقيام به , وكان همهم الأول أن يلوذوا بالفرار
من البلاد لا أن يقيموا فيها تماثيل .
( 6 ) د . سليم حسن - مصر القديمة
ج 7 صـ 122
( 7 ) عرفت
فى العصر المسيحى باسم برما أو برمون وفى العصر العربى عرفت باسم فرما وقد اندثرت
الآن ومكانها الآن تل الفرما على بعد 3 كم شرق بورسعيد ( أنظر : فؤاد فراج - المدن المصرية صـ 13 )
( 8 ) سليم حسن - مصر القديمة
ج6 صـ 389
(
9 ) Gardinar - Egypt
of the Pharaohs p . 237
( 10 ) نجيب ميخائيل - مصر وشعوب الشرق القديم صـ 297
( 11 ) سليم حسن - مصر القديمة ج7 صـ 123
( 12 ) مرجع سابق
( 13 ) قض 8 : 6 - 16 , 1مل 7 : 47 , 2اخ 4 : 17 ,
مز 60: 6 , 108 : 7
( 14 ) طريقين شماليين الى
رفح 2-
طريق شمالى الى بئر سبع وحبرون 3
- طريق جنوبى الى القلعة 4 -
طريق جنوبى الى مناجم سيناء .
( 15 ) مصر والشرق الادنى القديم صـ 289 و مصر القديمة ج7 صـ 124
( 16 ) سليم حسن - مصر القديمة ج7
صـ 125
( 17 ) القمص ميخائيل فهمى - جغرافيا الكتاب المقدس ج1 صـ 64
( 18 ) سليم حسن - مصر القديمة ج6 صـ 587 و ج7 صـ 125
( 19 ) نجيب ميخائيل - مصر وشعوب الشرق القديم صـ 299
( 20 ) سليم حسن - مصر القديمة ج7 صـ 127
( 21 ) وردت أسماء تلك المواقع على
جدران الكرنك , وعلى لوحة بيت شان ( بيسان ) المعثور عليها عام 1923 م وعلى بردية
انسطاسى وغيرها - سليم حسن مصر القديمة ج6
صـ 34 , ج7 صـ 125
( 22 ) فؤاد فراج - المدن المصرية صـ 31
( 23 ) خر 13 : 18 , تث 1 : 1 و 40 , 2 : 1
( 24 ) خر 10 : 19 , 13 : 18
, 15 : 22 , عد 33 : 11 , تث 2 : 1 , يش 24 : 6 , قض 11 : 16 , مز 106 :
9 و 22, 136 : 13 و 15 , ار 49 : 21 ... الخ
( 25 ) خر 14 : 16 و 21 و 22 و 26 و 29 و 30
( 26 ) وعمل الملك سليمان سفناً فى عصيون جابر التى بجانب ايلة على شاطئ بحر سوف فى أرض أدوم ( 1مل 9 : 26 )
( 27 ) فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون
الذى دخل ورائهم فى البحر لم يبق منهم ولا واحد (
خر 14 : 28 ) .
( 28 ) نفخت بريحك فغطاهم البحر
غاصوا كالرصاص فى مياه غامرة ( خر 15 : 10 ) .
( 29 ) كان خليج السويس يمتد حتى
بحيرة التمساح ثم انسحب الى البحيرات المرة وكان فرعى النيل البيلوزى والتانيسى كانا يخترقان برزخ السويس الأول
بالقرب من محطة التينة الواقعة على بعد 25 كم جنوب بورسعيد والثانى عند الكيلو 9
على قناة السويس وكان يصبان فى البحر المتوسط الأول عند بيلوز والثانى عند فم أم فرج
على بعد نحو كيلو شرقى بورسعيد . فؤاد
فراج - المدن المصرية صـ 13
( 30 ) مز 106 : 9 , 22 , 136 : 13 , 15 , 106 : 7 ,
ار 49 : 21
( 31 ) سليم حسن -
مصر القديمة ج6 صـ 135
( 32 ) نجيب ميخائيل -
مصر والشرق الادنى القديم صـ 300
( 33 ) د
. محمد مهران - مصر والشرق الادنى القديم صـ 526
( 34 ) نجيب ميخائيل - مصر والشرق الادنى القديم صـ 301
( 35 ) خر 13 : 21 و 22 , 19 :
14
( 36 ) عدد 24 :
6 , 34 : 7 , 19 : 14
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |