موقع جنة عدن :
بعدما اعد الله كل شئ يحتاجه
الانسان خلقه , ودعاه آدم مودعاً اياه فى جنة عدن
(1) . وعن تحديد موقع الجنة اختلف العلماء والباحثون
والمفسرون .
فقال ديلتشك استاذ اللغة
الاشورية فى تقرير نشره سنة 1881 م ان مكان الجنة هو
فى المنطقة الواقعة الى الشمال من بابل بين نهرى دجلة والفرات . واعتقد البعض أنها ارمينيا حيث ينبع الدجلة
والفرات . ويعتقد اخرون انها القسم الجنوبى من
العراق حيث الارض الخصبة . ومن الفرات كانت
تتفرع أنهار صغيرة تصب فى دجلة . ومنها نهرى فيشون وجيحون " وكان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة
. ومن هناك ينقسم اربعة رؤوس اسم الواحد فيشون .. واسم النهر الثانى جيحون وهو
المحيط بجميع ارض كوش ( 2) . واسم النهر الثالث حداقل ( الدجلة ) وهو الجارى شرقى
اشور . والنهر الرابع الفرات " ( تك 2 : 11 – 14 ) .
وجاء فى سجلات تغلت فلاسر – تصديقاً على ما جاء فى سفر التكوين – ان أرض كاندونياش تسقيها أربعة انهار . وتصف القصة ( 3 ) السومرية الفردوس
باعتباره مكان يسوده البر والنقاء , ولا يدخله المرض كما لا يدنو منه الموت . وفيه
ايضاً " الحمل لا يطلق صراخاً ... الاسد لا يقتل الذئب لا يفتك بالحمل ... لا
يسمع الانين ... ( 4 ) .
ثم خلق الله حواء لتكون عوناً لآدم فى الخير
. ولكنها اعانته على مخالفة وصية الله والاذعان للحية ( الشيطان ) بالاكل من ثمر
الشجرة التى حرم الله الاكل منها كنوع من
الاختبار . فلم يجنى ابونا آدم من شجرة الخير والشر سوى ثمرة الموت والطرد من الجنة . " فأخرجه
الرب الاله من جنة عدن ليعمل الارض التى اخذ منها " ( تك 3 : 23 ) .
وجاء فى آثار الفنيقيين ان " هوانكتى الروح
القديم هو الذى خلق الانسان ( الرجل ) أولاً ثم المرأة " وجاء ايضاً أن
" ميتهو يبس التراب الاصفر , وكون منه الانسان " . و " أن كائناً
اعلى خلق الانسان وكان لباسه محزماً بأوراق الشجر " .
وقد عثر فى بابل القديمة على عمود نقشت عليه صورة تمثل شجرة واثنين جالسين على جانبها . وكل منهما يمد يده اليها يريد أن يقطف من ثمرها .
وخلف احدهم صورة تنين ( 5 ) , وهو ما يشير
الى قصة سقوط آدم .
وجاء فى آثار البلاد الواقعة بين فارس والهند ما نصه : " كانت السماء معدة له ( للانسان ) بحيث أن يكون متواضع
القلب ... والا يلجأ الى الديوا ( ابليس ) ... فخادعها منذ البداية ... وتستمر
نفساهما فى الجحيم الى انبعاث الاجسام ... وقدم لهما الديوا ثانية ثماراً فأكلاها
... وظهر لهم بعد ذلك خروف .... فأضرما ناراً وشويا الخروف واكلا اللحم واكتسيا
بالجلود "
وتتحدث ملحمة جلجاميش ( 6 ) السومرية فى رغبة انكى ENKI ( يقابل آدم ) فى
التعرف على نباتات الفردوس , فسأل اذيمود Isimud " ما هو هذا النبات
" انها شجرة وقطعها من اجل انكى وقدمها له فاكلها " وبنفس الطريقة التهم
انكى ثمانى شجرات ولذلك غضب عليه الاله (
نينهور ساج NINHURSAG ) ولعنه وحكم
عليه بالموت . فخرج انكى من حضرة الالهة واختفى .... وعندئذ لعن نينهور ساج اسم
انكى ... سيظل كذلك حتى يأتيه الموت , لن اراعيه بعين الحياة . وعندئذ بدأت صحة
انكى فى التدهور , واعتلت منه ثمانى أعضاء , وبدأت قواه تخور . ولكن الالهة شفت
اعضاءه الثمانية المعتلة ...
تتفق اسطورة السقوط هذه فى مضمونها – وان اختلفت فى شكلها الاسطورى – مع رواية الوحى عن
سقوط آدم . وهذا يعد دليلاً على أن قصة السقوط وطرد
آدم من الجنة اخذت تتناقلها الاجيال الخلف عن السلف . ولكن بمرور الزمن عمل فيها الخيال
فوصلت الينا باهتة مستترة خلف الشكل الاسطورة الذى ذكرته القصيدة , والتى تتفق مع ما جاء
فى سفر التكوين فيما يلى :
اولاً : عصيان انكى واكله النباتات المحرمة منساقاً الى غواية
ايزمود يتفق مع اكل ادم من ثمار الشجرة المنهى عن الاكل منها تحت تأثير الشيطان .
ثانياً : العقاب الذى حل بانكى وطرده من حضرة الالهة يتفق مع
طرد آدم من حضرة الله وقد كان قبلاً يخاطبه فماً لاذن .
ثالثاً : تذكر الاسطورة أن انكى تعرض للمرض والموت وهو حدث
للجنس البشرى . وتدخل الاله يتفق مع تدخل الاله لانقاذ ادم . واخيراً تقول القصيدة
ان الذى رمم ضلع انكى هى الربة نينتى NINTI وهذا يذكرنا
ان حواء اخذت من ضلع ادم .
وعرف آدم حواء بعد السقوط –
فحبلت وولدت بنياً وبناتاً – وكان آدم وسيطاً بين الله وبين ذريته . يرشدهم الى ما
يجب عمله , وينهاهم عما لا يجب فعله .
ومات آدم بعد حياة حافلة
بالتعب والمشقة دامت لتسعمائة وثلاثين
عاماً . ويقص علينا ابن العبرى رواية ليس هناك من يدعمها من دليل سوى ذكره اياها . يقول
فيها ان نوح
اوحى الى سام بأن يخرج تابوت ادم من الفلك . وان يسير به الى حيث يهديه ملاك الرب
. فهداه الى جبل اورشليم وهو ما يعرف باسم الجلجثة ( الجمجمة ) ( 7 ) . وبعد موت آدم اعرض الوحى عن ذكر أسماء بنيه
وبناته الا شيث ( عاش 912 سنة ) الذى خلف ابيه فى دور الوساطة بين الله والناس ,
وهو الذى لم يترك نفسه بلا شاهد .
وتقدر المدة من آدم الى نوح بحسب الترجمة السبعينية بنحو 2242 سنة, ومن الطوفان الى ابراهيم بنحو 1077 سنة . ولكن ذكر هؤلاء الاشخاص لا يعنى بالضرورة انه لا يوجد
غيرهم لم يذكر ربما اكتفى الوحى بذكر الصالحين منهم . وربما كان مقدار السنة من
الشهور والايام مختلفاً عما نحن علي الان . ولذلك تمتد الفترة الزمنية من آدم الى
نوح , ومن نوح الى ابراهيم لابعد مما فى تقديرنا . وهو ما يتيح للبشر عندئذ أن
يتشروا على وجه البسيطة , ومن ثم يستقرون عند مصادر المياه ويؤسسوا الحضارات المعلومة
لنا والمجهولة عنا .
--------------------------
( 1 ) عدن اسم عبرى يعنى بهجة
حيث غرس الله الجنة – قاموس الكتاب المقدس صــ 613 .
( 2 ) يعتقد أن أرض كوش هى
عيلام التى كانت تعرف قديماً باسم كاشو – قاموس الكتاب المقدس صـــ 613 . وهى غير
كوش الافريقية والتى تنتسب لها مملكة الكوشيين التى حكمت مصر فى الاسرة الخامسة
والعشرين ( 2 أخ 12 : 3 ) .
( 3 ) عرفت باسم انكى ونينهور
ساج ENKI et
NINHURSAG وهى محفوظة الان بمتحف
جامعة فلادلفيا .
( 4 ) Samuel Noah Karmer – L ' histoire commence à summer p . 170
( 5 ) الاسقف ايسيذوروس – المطالب النظرية فى المواضيع الالهية صــ 479
( 6 ) عثر على الملحمة فى
جنوب بابل بالقرب من منطقة الوركاء الحالية , وهى اوروك القديمة , وهى ارك الواردة
فى تك 10 : 10 . والتى كانت موطناً لنمرود .
( 7 ) غريغوريوس الملطى
المعروف بابن العبرى – تاريخ مختصر الدول ص 10 .روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |