الثلاثاء، 5 مايو 2015

برج بابل بين الوحى والآثار

عبثاً تجرأ أبناء نوح وأقدموا على بناء برج عال  رغبةً  منهم فى الصعود الى عرش  الله الذى رد عليهم غطرستهم بأن بلبل ألسنتهم وفرقهم فى أرجاء المسكونة ( تك 11 ) .

وتحقق فى البشر ما قاله الوحى على لسان الحكيم بعد الأف السنين " قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح " ( أم 16 : 18 ) , وقد أنتشرت قصة بلبلت الألسن كغيرها بين الناس و كغيرها من القصص  عملت فيها العقول البدائية وانعطفت بها قليلا أو  كثيرأ  بحيث اصطبغت بذات الشكل الاسطورى .
وقد روى يوسابيوس القيصرى عن مؤرخ يدعى أبيدان عن فاروز   أن الاشوريين يقولون  أن  الناس  الاولين  استكبروا  بقوتهم وارتفاع قامتهم , فأخذوا يحتقرون الالهة ويظنون أنهم أسمى وأعظم منهم  . فحملهم كبريائهم على أن يشيدوا صرحاً عجيباً فى ارتفاعه وهو الان بابل ... واذ كان الناس لغة واحدة الى ذلك الحين شرعوا بعد ذلك يتكلمون لغات مختلفة بأمر الالهة " ( 1 ) .
وفى عام 1876م  عثر فى بابل القديمة على لوح عرف باسم ايزاجيلا ESAGILA   . وهو محفوظ الأن بمتحف اللوفر .  وقد قام بترجمته العالم جورج سميث G. SMITH  ويقدم النقش الموجود عليه وصفاً معمارياً لمعبد ايزاجيلا المخصص لعبادة الاله مروك رب البابليين . وفى وسطه كان يقوم برج عرف باسم ( ا -  تيمن  -  ان -  كى  ) أى بيت تأسيس السماء والارض ( 2 ) .

كما أسفرت أعمال الحفر التى اجريت من عام 1899م الى عام 1917 م  , عن اكتشاف مدينة بابل القديمة التى بنيت على شكل مستطيل يبلغ طوله 1800 متراً  , وعرضه 1300 متراً , ويتخلله نحو خمسون برجاً . وعثر بها على أطلا أكثر من الف معبد . ويعد معبد ايزاجيلا أعظمها , ويرجع تاريخ انشائه الى الفى سنة قبل الميلاد . وقد وجد به برجاً يبلغ ارتفاعه 90 متراً . ويعتقد أنه برج بابل الشهير , وربما  تعرض للترميم واعادة البناء ( 3 ) .
ويؤكد ذلك الاثر الذى عثر عليه جورج سميث وهو على شكل هرمى نقش عليه بالخط المسمارى أيضاً ما قام بترجمته العالم أوير : 
" ... البناء الأكبر لنبوخذ نصر ملك بابل الأول ... الطلل الأول فى بابل أنا بنيته وهيأته , وقد رفعت رأسه الى أعلى بالقرميد المغشى بالنحاس ... بناه ملك قديم , لكنه لم يتم رأسه فتركه الناس منذ أيام الطوفان متكلمين كلاماً مشوشاً . وزلازل الارض والرعود زعزعت اللبن , وشققت الاثر المستوى الملبس به البناء . فتهدم اللبن وتكون منه تلال فألهم مردوك قلبى لاجدد بنائه ... وكذلك أعدت تشييد ما كان ..."
 وجاء أيضاً : " ولقد قطعت على نفسى عهد بأن أرمم السجيل E . SAIL  معبد بل ( بعل ) مردوك فنقلت من لبنان أكبر أشجار الأرز . ولبست معبد اكوا   E . KUA  حيث يقيم الاله بأخشاب أرز ضخمة . كسيت بالذهب والفضة " ( 4 ) . 


ووصف هيرودت ( 460 ق . م ) هذا البناء بقوله " انه مؤلف من سبعة بروج الواحد مبنى فوق الاخر بدرجات ضخمة كل درجة محصورة عما تحتها ... وفى أعلا مزار مقدس لنبو " . وروى أيضاً أن هذا المعبد كانت جدرانه مكسورة بصفائح من الذهب والفضة والعاج .
وبعد ما تفرق أبناء نوح كونوا عشائر  كل منها حملت اسم جدها الاكبر من بنيهم . واستقرت كل عشيرة فى بقعة من الارض خلعت عليه اسمها الذى سبق وأخذته من جدها الاكبر . وبمرور الزمن تحولت هذه القبائل الى امم وشعوب كثيرة نشأت عنها الحضارة القديمة فى سومر , واكد , ومصر , وبلاد الاغريق وفنيقية وغيرها . وقد نشأت الحضارات من تفاعل الانسان مع البيئة . وما نتج عنه من أدوات صنعتها يداه وأفكار ومعتقدات استولدها من عقله . ومن هذا وذاك تطورت اللغات والالسن . الى جانب ما توارثوه من آدم ونوح والآباء ومما عمله خيالهم . 

وكان اعتقاد البشر فى الالوهية يمثل حجر الزاوية فى بناء الحضارة فاقيمت المذابح والمعابد لتكريم الالهة . وبينت المقابر على اختلاف شكلها ما بين المستطيل , والشكل الهرمى اعتقاداً فى بعث البشر بعد مماتهم . وقد كان لهذه الافكار والمعتقدات جذور ايمانية تدب فى اعماق التاريخ الانسانى قبل أن تعمل فيها عقول الناس وأهواؤهم .
لغـــة  آدم :
يقول ابن العبرى بأن القديسين باسيليوس وافرآم قالا بأن الناس من آدم الى عابر كانوا يتكلمون لغة واحدة هى السريانية , وقال ايضاً عن شخص يدعى يعقوب الرهاوى أن اللغة لم تزل عبرية الى أن تبلبلت الآلسن .
ولكن هذا القول وغيره مما ينسب لآدم  لغة بعينها من اللغات التى نشأت بعد الطوفان ليس فيه ما يدعمه من دليل . بل بالعكس نجد ما ينفيه , لأت حقيقة الأمر تعنى أن بلبلة الالسن تعنى أن الناس باتوا  يتحدثون لغات غير معروفة عما كانوا يتحدثون بها من قبل . وأصبح كل منهم لا يقوى على فهم كلام الآخر ومن ثم تفرقوا . وربما بلبلة الالسن كناية عن التفرقة التى حلت ببنى نوح نتيجة لتكبرهم ومن ثم تباعدوا وانتشروا وكونوا قبائل مختلفة لكل منها لغتها الخاصة . 

... ومع هذا لا ننكر أن الناس قبيل الطوفان كانوا يتكلمون لغة واحدة عندما كانوا يعيشون فى نطاق محدود نسبياً من الأرض المعمورة انذآك , ولم يكونوا قد تفرقوا الى مجاهل القارات . ولكن هذه اللغة قطعاً غير معروفة كما انها ليست واحدة من اللغات التى نشأت بعد الطوفان . وقد كانت أبسط كثيرأ من لغة القبائل البدائية التى تعيش فى مجاهل القارات . وذلك لأن المنتج الحضارى – المادى والمعنوى -  كان ضئيلاً للغاية لا تتعدى تسمية الاشخاص والحيوانات والاشياء المحيطة الى جانب بعض التعابير الشعورية .
-----------------------   
( 1)  الاسقف ايسيذورس – المطالب النظرية فى المواضع الالهية ص 491
( 2) Jaques  viacari  -  la tour  de  bable
(3)  jean pottero  la  mesopotaie   p 93
(4)  أرنست بابلون – الآثار الشرقية ص 64 -  ترجمة مارون عيسى الخورى .
الكتاب المقدس بين التاريخ والاثار ص 27 - 31 - قلينى نجيب 
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق