عبثاً
تجرأ أبناء نوح وأقدموا على بناء برج عال
رغبةً منهم فى الصعود الى عرش الله الذى رد عليهم غطرستهم بأن بلبل ألسنتهم
وفرقهم فى أرجاء المسكونة (
تك 11 ) .
وتحقق فى البشر ما قاله
الوحى على لسان الحكيم بعد الأف السنين "
قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح " ( أم 16 : 18 ) , وقد أنتشرت قصة بلبلت الألسن كغيرها بين الناس و
كغيرها من القصص عملت فيها العقول
البدائية وانعطفت بها قليلا أو كثيرأ بحيث اصطبغت بذات الشكل الاسطورى .
وقد روى يوسابيوس القيصرى
عن مؤرخ يدعى أبيدان عن فاروز أن الاشوريين
يقولون أن الناس
الاولين استكبروا بقوتهم وارتفاع قامتهم , فأخذوا يحتقرون الالهة
ويظنون أنهم أسمى وأعظم منهم . فحملهم
كبريائهم على أن يشيدوا صرحاً عجيباً فى ارتفاعه وهو الان بابل ... واذ كان الناس
لغة واحدة الى ذلك الحين شرعوا بعد ذلك يتكلمون لغات مختلفة بأمر الالهة " (
1 ) .
وفى عام 1876م عثر فى
بابل القديمة على لوح عرف باسم ايزاجيلا ESAGILA . وهو محفوظ الأن بمتحف اللوفر . وقد قام بترجمته العالم جورج سميث G. SMITH ويقدم النقش الموجود عليه
وصفاً معمارياً لمعبد ايزاجيلا المخصص لعبادة الاله مروك رب البابليين . وفى وسطه كان يقوم برج عرف باسم ( ا - تيمن
- ان - كى )
أى بيت تأسيس السماء والارض ( 2 ) .
كما أسفرت أعمال الحفر التى
اجريت من عام 1899م الى عام 1917 م , عن اكتشاف مدينة بابل القديمة التى بنيت على شكل مستطيل يبلغ طوله 1800 متراً , وعرضه 1300 متراً , ويتخلله نحو خمسون برجاً
. وعثر بها على أطلا أكثر من الف معبد . ويعد معبد ايزاجيلا أعظمها , ويرجع تاريخ انشائه الى الفى سنة قبل الميلاد . وقد وجد به برجاً يبلغ ارتفاعه 90 متراً . ويعتقد أنه برج بابل الشهير , وربما تعرض للترميم واعادة
البناء ( 3 ) .
ويؤكد ذلك الاثر الذى عثر
عليه جورج سميث وهو على شكل هرمى نقش عليه بالخط المسمارى أيضاً ما قام بترجمته
العالم أوير :
" ... البناء الأكبر لنبوخذ نصر ملك بابل الأول ... الطلل
الأول فى بابل أنا بنيته وهيأته , وقد رفعت رأسه الى أعلى بالقرميد المغشى بالنحاس
... بناه ملك قديم , لكنه لم يتم رأسه فتركه
الناس منذ أيام الطوفان متكلمين كلاماً مشوشاً . وزلازل الارض والرعود زعزعت اللبن ,
وشققت الاثر المستوى الملبس به البناء . فتهدم اللبن وتكون منه تلال فألهم مردوك
قلبى لاجدد بنائه ... وكذلك أعدت تشييد ما كان ..."
وجاء أيضاً :
" ولقد قطعت على نفسى عهد بأن أرمم السجيل E . SAIL معبد بل (
بعل ) مردوك فنقلت من لبنان أكبر أشجار الأرز . ولبست معبد اكوا E . KUA حيث يقيم الاله بأخشاب أرز ضخمة . كسيت بالذهب
والفضة " ( 4 ) .
ووصف هيرودت ( 460 ق . م )
هذا البناء بقوله " انه مؤلف من
سبعة بروج الواحد مبنى فوق الاخر بدرجات ضخمة كل درجة محصورة عما تحتها ... وفى
أعلا مزار مقدس لنبو " . وروى أيضاً أن هذا المعبد كانت جدرانه مكسورة بصفائح
من الذهب والفضة والعاج .
وبعد ما تفرق أبناء نوح كونوا
عشائر كل منها حملت اسم جدها الاكبر من
بنيهم . واستقرت كل عشيرة فى بقعة من الارض خلعت عليه اسمها الذى سبق وأخذته من
جدها الاكبر . وبمرور الزمن تحولت هذه القبائل الى امم وشعوب كثيرة نشأت عنها
الحضارة القديمة فى سومر , واكد , ومصر , وبلاد الاغريق وفنيقية وغيرها . وقد نشأت
الحضارات من تفاعل الانسان مع البيئة . وما نتج عنه من أدوات صنعتها يداه وأفكار
ومعتقدات استولدها من عقله . ومن هذا وذاك تطورت اللغات والالسن . الى جانب ما
توارثوه من آدم ونوح والآباء ومما عمله خيالهم .
وكان اعتقاد البشر فى
الالوهية يمثل حجر الزاوية فى بناء الحضارة فاقيمت المذابح والمعابد لتكريم الالهة
. وبينت المقابر على اختلاف شكلها ما بين المستطيل , والشكل الهرمى اعتقاداً فى
بعث البشر بعد مماتهم . وقد كان لهذه الافكار والمعتقدات جذور ايمانية تدب فى
اعماق التاريخ الانسانى قبل أن تعمل فيها عقول الناس وأهواؤهم .
لغـــة آدم :
يقول ابن العبرى بأن
القديسين باسيليوس وافرآم قالا بأن الناس من آدم الى عابر كانوا يتكلمون لغة واحدة
هى السريانية , وقال ايضاً عن شخص يدعى يعقوب الرهاوى أن اللغة لم تزل عبرية الى أن تبلبلت
الآلسن .
ولكن هذا القول وغيره مما
ينسب لآدم لغة بعينها من اللغات التى نشأت
بعد الطوفان ليس فيه ما يدعمه من دليل . بل بالعكس نجد ما ينفيه , لأت حقيقة الأمر تعنى أن بلبلة الالسن تعنى أن الناس باتوا يتحدثون لغات غير معروفة عما كانوا يتحدثون بها
من قبل . وأصبح كل منهم لا يقوى على فهم كلام الآخر ومن ثم تفرقوا . وربما بلبلة
الالسن كناية عن التفرقة التى حلت ببنى نوح نتيجة لتكبرهم ومن ثم تباعدوا وانتشروا
وكونوا قبائل مختلفة لكل منها لغتها الخاصة .
... ومع هذا لا ننكر أن الناس قبيل الطوفان كانوا يتكلمون
لغة واحدة عندما كانوا يعيشون فى نطاق محدود نسبياً من الأرض المعمورة انذآك , ولم يكونوا قد تفرقوا الى مجاهل القارات . ولكن هذه اللغة قطعاً غير معروفة كما انها ليست واحدة من
اللغات التى نشأت بعد الطوفان . وقد كانت أبسط كثيرأ من لغة القبائل البدائية التى تعيش
فى مجاهل القارات . وذلك لأن المنتج الحضارى – المادى
والمعنوى - كان ضئيلاً للغاية لا تتعدى
تسمية الاشخاص والحيوانات والاشياء المحيطة الى جانب بعض التعابير الشعورية .
-----------------------
( 1) الاسقف ايسيذورس – المطالب النظرية فى المواضع
الالهية ص 491
( 2) Jaques viacari
- la tour de
bable
(3) jean pottero la
mesopotaie p 93
(4) أرنست
بابلون – الآثار الشرقية ص 64 - ترجمة
مارون عيسى الخورى .
الكتاب المقدس بين التاريخ والاثار ص 27 - 31 - قلينى نجيب
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |