الثلاثاء، 21 أبريل 2015

الطوفان بين الوحى والاسطورة


نوح والطوفان :
لما كثر شر الانسان ولم يتبع وصايا الله التى فاه بها على لسان اصفيائه , والتى تناقلها البشر بالتقليد الخلف عن السلف , لهذا انذرهم على فم نوح عبده بأنه سوف يغرق الارض ومن عليها ( تك 6 : 8 ) .
وبالفعل لم ينجو من الطوفان سوى نوح وأبنائه الثلاثة : سام وحام ويافث ونسائهم وبنيهم . وبضعة ازواج من الطيور والحيوانات . 

وقد أشارت آثار القدماء الى الطوفان , وهو ما يعنى أن قصته قد انتقلت اليهم بالتواتر . فتقول القصة البابلية " أن الآلهة غضبت على الناس فأرسلت عليهم الطوفان لأبادتهم . فأشفق ( اى ) اله الحكمة , فانقذ شمش وزوجته , أن علمه كيف يبنى فلكاً . حط هذا الفلك على جبل نذير . وأرسل يمامة تستطلع . ولما ندمت الألهة على انها أبادت البشر – فمن يقدم لها القرابين ؟ّ! – وجدت شمش هذا يقدم لها القرابين فأشتمت الرائحة الذكية ... " ( 1 ) .

وقيل أن مياه الطوفان هى التى كانت قد جعلها الله فوق الجلد عند التكوين " وفصل الله بين المياه التى تحت الجلد , والمياه التى فوق الجلد " ( تك 1 : 7 ) . أما الفلك فقد عثر عليه المستكشفون فوق جبل آراراط ( 2 ) التى اشير اليها فى سفر التكوين ( 8 : 4 ) قبل ثلاثة آلآف وخمسمائة عام .


وفى القرن التاسع عشر عثر الأثرى ج . سميث فى مكتبة نينوى القديمة على لوحين يرجع تاريخهما الى الالف الثانى قبل الميلاد ويذكران قصة الطوفان . وقد اختلطت بعقول الناس وخرجت فى ثوب اسطورى , جاء فيها " ان مدينة شوريباك الواقعة على الفرات . لم تكن اهلها تكرم الالهة ... اصنع مركباً اجعل بذار الحياة من كل نوع يصعد وسط المركب .

قلت : اذا صنعت الذى أمرتنى بصنعه سخر منى الشباب والشيوخ !

ففتح ( هيا ) – فاه – وقال لى : ... ان سخر منك فقل لهم من احتقرنى فقد حل عليه العقاب ... فبلغ طوفان الاله السماء ... فباد عن وجه الارض كل موجود حى ... وقد حمل الفلك الى بلاد نزير فأوقف جبل نذير الفلك فلم يتجاوزه ... خرجت حمامة .. فذهبت الحمامة ورجعت , مقراً لها لم تجد ... فأرسلت غراباً ففارق الغراب ولم يعد . واخرجت الحيوانات وسرحتها . قدمت ذبيحة وجعلت نار الذبيحة على رأس الجبل ... " ( 3 ) .

وتوافق هذه الرواية وغيرها ما جاء برواية الوحى عن الطوفان فلا الشئ الكثير , وان اختلفت فى الشكل الاسطورى . ( راجع تك 6 , 7 , 8 ) .

كما عثر على لوحة سومرية كانت ضمن مجموعة اللوحات التى عثر عليها فى اطلال مدينة نيبور NIPPOUR  القديمة , وقد نشرت هذه اللوحة التى قام بترجمتها أرنوبو بويل ARNOPO POUEL  سنة 1914 م وقد جاء فيها :

" عندئذ شيد زيوزودرا  ZIUSUDRA  ( يقابل نوح ) الملك فلكاً هائلاً .. وبينما زيوزودرا بجانب الحائط اتاه الصوت : انت يا من تقف بجانب الحائط ... سأقول لك كلمة استمع لقولى , واصغ الى اوامرى ... ان الطوفان سيجتاح مراكز العبادة ليقضى على نسل البشر , هذا هو القرار قرار جميع الالهة . بالامر الصادر من آنو ANU  وانليل EINLIL  تقوم جميع العواصف بعنف فى وقت واحد . وفى نفس اللحظة يدهم الطوفان مراكز العبادة خلال سبعة ( ستة ) أيام وسبع ليالى ... فغمر الطوفان الارض وطفى الفلك الهائل فوق المياه بواسطة العواصف ,وخرج أوتو    UTu  
الذى ينشر النور فى السماء وعلى الارض , وفتح زيوزودرا طاقة من الفلك الكبير جداً وادخل اوتو البطل اشاعته فى الفلك . وسجد زيوزودرا حينئذ أمام أوتو وقدم له القربان عجلاً وذبح شاه ... ( 4 ) .
صورة توضيحية

 ولما خرج نوح من الفلك سالماً هو وبنوه أقام مذبحاً للرب , واصعد عليه المحرقات قرباناً وحمداً ( تك 8 : 20 ) . وتوارثت كافة الاجناس والشعوب عادة تقديم القرابين - دموية وغير دموية – شكراً وارضاءاً لاربابها , على الرغم من التباين المكانى والزمانى بينها . فكم من كباش وعجول سيقت الى معابد الفراعنة , والكلدان , والاشوريين وغيرهم .
على ان التشابه الكبير فى شكليات العبادة وطقوسها لدى هذه الشعوب مثل شريعة تقديم القرابين والاضاحى انما يدل على انها خرجت من مصدر واحد واصل واحد . ولكن بمرور الزمن عملت فيها العقول والاهواء واصبحت على ما كانت عليه من الاختلاف والتباين . ومن غير المعقول ان يكون موسى النبى قد اخذ شريعة الاضاحى من كباش وغيرها جرياً على عادة الشعوب الوثنية . لكن الشى المؤكد ان هذه الامم كانت قد تناقلت هذه العوائد منذ عهد نوح ومن قبله آدم . فيذكر سفر التكوين ان الله صنع لآدم وزوجته اقمصة من جلد الحيوان ( تك 3 : 21 ) . أى علمهما ذبح الحيوان كقربان للتكفير عن الاثم , والانتفاع بجلده لستر العورة . كما أن الله قبل ذبيحة هابيل الحيوانية , ولم يقبل تقدمة قايين غير الدموية ( تك 4 : 3 ) .

---------------------------------
( 1 ) ول ديورانت - قصة الحضارة ص 217 , 218
( 2 ) وردت فى النقوش الاشورية باسم اوراطو , وهى أرمينيا حالياً على حدود تركيا وروسيا . ويبلغ ارتفاع جبل اراراط البركانى 5214 متراً . وكان سكان المنطقة يتعبدون لهالدى ويعتبرون انفسهم أبناء له . فلعله جدهم الاكبر وعبدوه كغيرهم من الشعوب التى عبدت اجدادها .
( 4 ) الاسقف ايسيذوروس – المطالب النظرية فى المواضيع الالهية ص 485 , 484 وكذلك : 
Jean Bottero et marie josphe steve – La Mesoptotamie p . 46 et 47
( 5 ) محفوظة بمتحف جامعة فيلادلفيا .
( 6 ) Samuel Noah karmel ,  L ' histoire commence à  summer p . 168 et 179
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق