القديس يوحنا بطريرك القسطنطينية فى القرن الرابع الميلادى , هو أحد آباء الكنيسة المعلمين الذين أثروا الكنيسة بتعاليمهم وكتاباتهم فى شتى العلوم اللاهوتية .
وهو الذى
حمل بجدارة منذ القرن السادس الميلادى -
لقب " ذهبى الفم " نظرأ لما أعطاه الروح من موهبة فى الكلام ,
استخدمها لأجل نفع وخلاص الكثيرين , ليس فقط ممن سمعوه فى عصره , بل الذين قرأوا
يقرأون حتى اليوم , ما كان يعلم به فى عظاته وكتاباته الاخرى .
لم يكن
ذهبى الفم مجرد خطيب يؤثر فى الناس بكلامه , بل كان يعيش وبدقة ما يطلب من الناس
أن يفعلوه , فكان ذو رأى حر عملاقاً جسوراً , يستأسد أمام الظلم ويثور فى وجهه ,
ويلين مع الضعف ويشفق عليه , عاش فقيراً مجرداً , فأوغر بنموذج حياته وفقره
الاختيارى , صدور المتصدرين فى المجالس والغارقين فى ترف الحياة .
ولم تقم
شهرته بصفته معلم من معلمى المسكونة كما تلقبه الكنيسة , على عبقرية تنظيرية أو على فلسفة عالمية , بل
على مواهب قلما اجتمعت لانسان , فعده معاصروه والأجيال المعاقبة بعده " أعظم خطيب فى الكنيسة".
والذى
يستدعى الانتباه فى مواهب ذهبى الفم , ما فى مواعظه من عمق ومتداد آفاق , تجتمع
فيه الروح المسيحية بكل أبعادها , وروعة الاسلوب وبلاغة التعبير . ومواعظه التى
كانت فى أحيان كثيرة تدوم ساعتين أو أكثر , كانت أبداً جذابة ساحرة , بما كان
يتخللها رصد لواقع معاش , ومن مشاهد مؤثرة وخبرة روحية , ونصائح قيمة , تملأها
روعة وحياة , تدخل الى قلوب ومشاعر سامعيها وكل من يقرأها فتقودهم الى التوبة
وحياة الفضيلة .
قال
عنه الكاردينال هنرى نيومان والذى قام بترجمة كثير من كتابات الآباء الى اللغة الانجليزية " أرى أن لطف يوحنا ذهبى الفم ,
يكمن فى لطفه وتعاطفه مع الناس أجمعين , لا فى حال قوتهم بل فى حال ضعفهم ... وما
كان عليه من اضطرام المحبة الالهية , فانه لم يفقد شيئاً من شعوره الانسانى , فكان
أشبه بعليقة الصحراء المحترقة التى لم يذهب اللهب التى فيها بشئ من طبيعتها
وجوهرها " .
فلقد واجه
القديس يوحنا بدعة أنوميوس
القائل بأن الله يمكن التعرف عليه بالعقل , وادراك جوهره بالذهن البشرى , كما أنكر أن الابن مولود من جوهر الآب
, ونظر اليه على أنه كائن أوجده الآب مباشرةً , وجعله كأداة يخلق بها باقى
الكائنات , ولهذا فهو يشبه الله الآب لكنه ليس هو اله حقيقى , كما أنه ظن أن الروح
القدس أيضاً مخلوق وكل مايميزه أن له الأولوية بين الكائنات التى خلقها الابن ,
وهو مجرد أداة فى يد الابن لكى يقدس بها النفوس.
... ولقد حاول ذهبى
الفم حث المؤمنين على كيفية السلوك تجاه أعداء الايمان , هذا من جانب ومن جانب آخر
, اهتم أن يفند كل آراء الهراطقة مستنداً الى خبرته الكتابية والى من سبقوه من
آباء الكنيسة , بالاضافة الى خلاصة حياته الروحية والنسكية , واضعاً نصب عينيه
دائماً أن يصل برعيته بر الامان , ناصحاً اياهم بأن ينصب اهتمامهم لا على التعرف على
طبيعة الله , انما التمتع بوجوده بالقرب منهم واعلان رائحة معرفته فيهم .
عن كتاب " الله لا يمكن ادراكه " للقديس يوحنا ذهبى الفم
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |