الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

أعظم خطيب فى الكنيسة


القديس يوحنا بطريرك القسطنطينية فى القرن الرابع الميلادى , هو أحد آباء الكنيسة المعلمين الذين أثروا الكنيسة بتعاليمهم وكتاباتهم فى شتى العلوم اللاهوتية .

وهو الذى حمل بجدارة منذ القرن السادس الميلادى -  لقب  " ذهبى الفم " نظرأ لما أعطاه الروح من موهبة فى الكلام , استخدمها لأجل نفع وخلاص الكثيرين , ليس فقط ممن سمعوه فى عصره , بل الذين قرأوا يقرأون حتى اليوم , ما كان يعلم به فى عظاته وكتاباته الاخرى .
لم يكن ذهبى الفم مجرد خطيب يؤثر فى الناس بكلامه , بل كان يعيش وبدقة ما يطلب من الناس أن يفعلوه , فكان ذو رأى حر عملاقاً جسوراً , يستأسد أمام الظلم ويثور فى وجهه , ويلين مع الضعف ويشفق عليه , عاش فقيراً مجرداً , فأوغر بنموذج حياته وفقره الاختيارى , صدور المتصدرين فى المجالس والغارقين فى ترف الحياة .
ولم تقم شهرته بصفته معلم من معلمى المسكونة كما تلقبه الكنيسة  , على عبقرية تنظيرية أو على فلسفة عالمية , بل على مواهب قلما اجتمعت لانسان , فعده معاصروه والأجيال المعاقبة بعده " أعظم خطيب فى الكنيسة".
والذى يستدعى الانتباه فى مواهب ذهبى الفم , ما فى مواعظه من عمق ومتداد آفاق , تجتمع فيه الروح المسيحية بكل أبعادها , وروعة الاسلوب وبلاغة التعبير . ومواعظه التى كانت فى أحيان كثيرة تدوم ساعتين أو أكثر , كانت أبداً جذابة ساحرة , بما كان يتخللها رصد لواقع معاش , ومن مشاهد مؤثرة وخبرة روحية , ونصائح قيمة , تملأها روعة وحياة , تدخل الى قلوب ومشاعر سامعيها وكل من يقرأها فتقودهم الى التوبة وحياة الفضيلة .
قال عنه الكاردينال هنرى نيومان والذى قام بترجمة كثير من كتابات الآباء الى اللغة الانجليزية " أرى أن لطف يوحنا ذهبى الفم , يكمن فى لطفه وتعاطفه مع الناس أجمعين , لا فى حال قوتهم بل فى حال ضعفهم ... وما كان عليه من اضطرام المحبة الالهية , فانه لم يفقد شيئاً من شعوره الانسانى , فكان أشبه بعليقة الصحراء المحترقة التى لم يذهب اللهب التى فيها بشئ من طبيعتها وجوهرها " .
فلقد واجه القديس يوحنا بدعة أنوميوس القائل بأن الله يمكن التعرف عليه بالعقل , وادراك جوهره بالذهن البشرى , كما أنكر أن الابن مولود من جوهر الآب , ونظر اليه على أنه كائن أوجده الآب مباشرةً , وجعله كأداة يخلق بها باقى الكائنات , ولهذا فهو يشبه الله الآب لكنه ليس هو اله حقيقى , كما أنه ظن أن الروح القدس أيضاً مخلوق وكل مايميزه أن له الأولوية بين الكائنات التى خلقها الابن , وهو مجرد أداة فى يد الابن لكى يقدس بها النفوس.
... ولقد حاول ذهبى الفم حث المؤمنين على كيفية السلوك تجاه أعداء الايمان , هذا من جانب ومن جانب آخر , اهتم أن يفند كل آراء الهراطقة مستنداً الى خبرته الكتابية والى من سبقوه من آباء الكنيسة , بالاضافة الى خلاصة حياته الروحية والنسكية , واضعاً نصب عينيه دائماً أن يصل برعيته بر الامان , ناصحاً اياهم بأن ينصب اهتمامهم لا على التعرف على طبيعة الله , انما التمتع بوجوده بالقرب منهم واعلان رائحة معرفته فيهم .

عن كتاب " الله لا يمكن ادراكه " للقديس يوحنا ذهبى الفم
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق